وعن أكثر المالكيّة: يردّ عن كل واحدة صاعًا حَتَّى قَالَ المازريّ: منْ المستبشع أن يغرم متلف لبن ألف شاة، كما يغرم متلف لبن شاة واحدة.
وأجيب بأنّ ذلك مغتفر بالنسبة إلى ما تقدّم منْ أن الحكمة فِي اعتبار الصاع قطع النزاع، فجُعل حدًّا يُرجع إليه عند التخاصم، فاستوى القليل والكثير، ومن المعلوم أن لبن الشاة الواحدة، أو الناقة الواحدة، يختلف اختلافا متباينًا، ومع ذلك فالمعتبر الصاع، سواء قلّ اللبن، أم كثُر، فكذلك هو معتبرٌ، سواء قلّت المصرّاة، أو كثُرت. والله تعالى أعلم. انتهى "فتح" ٥/ ١٠٧.
والحديث متّفقٌ عليه، وَقَدْ تقدّم تمام شرحه، وبيان مسائله فِي الْحَدِيث الماضي. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، غير شيخه، فإنه منْ أفراده، وهو الجوّاز المكيّ المذكور قبل حديث. و"سفيان": هو ابن عيينة. و"أيوب": هو السختيانيّ. و"محمّد": هو ابن سيرين.
وقوله:"لا سمراء": قَالَ وليّ الدين رحمه الله: فيه تنصيص عَلَى أن السمراء، وهي القمح لا تجزيء فِي هَذَا، وإنما نصّ عليه، دون غيره؛ لفهم غيره منْ طريق الأولى، فإنه أغلى الأقوات، وأنفسها، فإذا لم يجزيء، فغيره أولى بذلك. وفي رواية:"صاعًا منْ طعام، لا سمراء" قَالَ وليّ الدين: يحتمل أن يريد بالطعام فيه التمر، بدليل الرواية الأخرى، وعلى هَذَا مشى البيهقيّ، فَقَالَ: المراد بالطعام المذكور فيه التمر، واستدل عَلَى ذلك بالرواية الأخرى. ويحتمل أن يريد مطلق الطعام، ثم أخرج منه السمراء، وخرج ما هو أدون منها، منْ الأقوات، والخضر للأمر بالتمر، كما فِي الرواية الأخرى، وهذا الاحتمال يعود فِي المعنى للذي قبله، لكنه يخالفه فِي التقدير. انتهى "طرح التثريب" ٦/ ٨٨.
والحديث متّفقٌ عليه، وَقَدْ مضى البحث عنه قريبًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".