تحريمه كل أحد، قَالَ: فالوجه تخصيص المعصية فِي الموضعين بمن علم التحريم. انتهى.
وَقَدْ حكى البيهقي فِي "المعرفة"، و"السنن" عن الشافعيّ تخصيص المعصية فِي النجش أيضًا بمن أعلم النهي، فظهر أن ما قاله الرافعي بحثا منصوص، ولفظ الشافعيّ: النجشُ أن يَحضُر الرجلُ السلعةَ، تُباع، فيُعطِي بها الشيءَ، وهو لا يريد شراءها؛ ليقتدي به السُّوّام، فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون، لو لم يسمعوا سومه، فمن نجش فهو عاص بالنجش، إن كَانَ عالمًا بالنهي، والبيع جائز لا يفسده معصية رجل نجش عليه. انتهى.
قَالَ: وَقَدْ اتفق أكثر العلماء، عَلَى تفسير النجش فِي الشرع بما تقدم، وقيد ابن عبد البرّ، وابن العربي، وابن حزم التحريم، بأن تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل، قَالَ ابن العربي: فلو أن رجلًا رأى سلعة رجل، تباع بدون قيمتها، فزاد فيها؛ لتنتهى إلى قيمتها، لم يكن ناجشا عاصيا، بل يؤجر عَلَى ذلك بنيته، وَقَدْ وافقه عَلَى ذلك بعض المتأخرين منْ الشافعيّة، وفيه نظر؛ إذ لم تتعين النصيحة فِي أن يُوهم أنه يريد الشراء، وليس منْ غرضه، بل غرضه أن يزيد عَلَى منْ يريد الشراء، أكثر مما يريد أن يشتري به، فللذى يريد النصيحة مندوحة عن ذلك، بأن يُعلم البائع بأن قيمة سلعتك أكثر منْ ذلك، ثم هو باختياره بعد ذلك. ويحتمل أن لا يتعين عليه إعلامه بذلك حَتَّى يسأله؛ لحديث:"دعو النَّاس يرزق الله بعضهم منْ بعض، فإذا استَنصَحَ أحدكم أخاه، فلينصحه"، رواه مسلم. والله أعلم. انتهى "الفتح" ٥/ ٩٠ - ٩١.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول ببطلان البيع بالنجش كما هو ظاهر مذهب البخاريّ، وجماعة منْ أهل الْحَدِيث، وأهل الظاهر، هو الأظهر؛ لظاهر النهي؛ إذ هو يقتضي الفساد، إلا لصارف، كما فِي بيع المصرّاة، وتلقي الجلب، كما سبق، ولم يوجد فِي نهي النجش صارف، فتنبصّر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.