قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: وهذا التفسير الذي فِي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة؛ لأنها مفاعلة، فتستدعي وجود الفعل منْ الجانبين.
واختلف العلماء فِي تفسير الملامسة، عَلَى ثلاث صور: وهي أوجه للشافعية، [أصحها]: أن يأتي بثوب مَطْوِيّ، أو فِي ظلمة، فيَلمِسَهُ المستام، فيقول له صاحب الثوب: بعتكه بكذا، بشرط أن يقوم لَمْسُك مقام نظرك، ولا خيار لك، إذا رأيته، وهذا موافق للتفسيرين اللذين فِي الْحَدِيث. [الثاني]: أن يجعلا نفس اللمس بيعا، بغير صيغة زائدة. [الثالث]: أن يجعلا اللمس شرطا فِي قطع خيار المجلس وغيره، والبيعُ عَلَى التأويلات كلها باطل، ومأخذ الأول عدم شرط رؤية المبيع، واشتراط نفي الخيار، ومأخذ الثاني اشتراط نفى الصيغة، فِي عقد البيع، فيؤخذ منه بطلان بيع المعاطاة مطلقا، لكن منْ أجاز المعاطاة قيدها بالمحقرات، أو بما جرت فيه العادة بالمعاطاة، وأما الملامسة، والمنابذة عند منْ يستعملهما، فلا يخصهما بذلك، فعلى هَذَا يجتمع بيع المعاطاة مع الملامسة والمنابذة، فِي بيع صور المعاطاة، فلمن يجيز بيع المعاطاة أن يخص النهي فِي بعض صور الملامسة والمنابذة، عما جرت العادة فيه بالمعاطاة، وعلى هَذَا يُحمل قول الرافعي: إن الأئمة أجروا فِي بيع الملامسة والمنابذة الخلاف الذي فِي المعاطاة. والله أعلم.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدّم فِي أوائل البيوع أن اشتراط الصيغة فِي العقد، قول لا يؤيده دليلٌ، فلا يُلتفت إليه، ثم إن تفسير الملامسة بهذا التفسير الثاني غير صحيح؛ لأنه بعيد عن التفسير المذكور فِي الْحَدِيث، فتنبّه. والله تعالى أعلم.
قَالَ: ومأخذ الثالث شرط نفي خيار المجلس، وهذه الأقوال، هي التي اقتصر عليها الفقهاء، ويخرج مما ذكرناه منْ طريق الْحَدِيث زيادة عَلَى ذلك.
وأما المنابذة، فاختلفوا فيها أيضًا عَلَى ثلاثة أقوال، وهي أوجه للشافعية:[أصحها]: أن يجعلا نفس النبذ بيعا، كما تقدم فِي الملامسة، وهو الموافق للتفسير فِي الْحَدِيث المذكور. [والثاني]: أن يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد عرفت ما فيه فيما ذكرته آنفاً.
[والثالث]: أن يجعلا النبذ قاطعا للخيار، واختلفوا فِي تفسير النبذ، فقيل: هو طرح الثوب، كما وقع تفسيره فِي الْحَدِيث المذكور. وقيل: هو نبذ الحصاة، والصحيح أنه غيره، وَقَدْ روى مسلم النهي عن بيع الحصاة، منْ حديث أبي هريرة.
قَالَ الجامع: وسيأتي للمصنّف بعد بابين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.