(المسألة الرابعة): قَالَ وليّ الدين رحمه الله تعالى: حمل الفقهاء منْ المذاهب الأربعة المنع منْ بيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح عَلَى ما إذا باعها مفردة عن الأشجار، فإن باعها مع الأشجار صحّ مطلقًا، منْ غير شرط القطع، بل قَالَ أصحابنا: لا يجوز شرط القطع فِي هذه الصورة، وأنكر ذلك ابن حزم، وأبشع فِي إنكاره، وهو مردود، والحقّ ما قاله الجمهور، وأيّ معنى للقطع، والأشجار ليست باقية للبائع، بل هي مبيعة للمشتري. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): مقتضى قوله: "حَتَّى يبدو صلاحها": جواز بيعها بعد بُدُوّ الصلاح مطلقا، سواء اشترط الإبقاء، أم لم يشترط؛ لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها، وَقَدْ جعل النهي ممتدا إلى غاية بدو الصلاح.
وإلى الفرق بين ما قبل ظهور الصلاح، وبعده، ذهب الجمهور، وعن أبي حنيفة إنما يصح بيعها فِي هذه الحالة، حيث لا يشترط الإبقاء، فإن شرطه لم يصح البيع. وحكى النوويّ فِي "شرح مسلم" عنه أنه أوجب شرط القطع، فِي هذه الصورة.
وتعقب بأن الذي صرح به أصحاب أبي حنيفة، أنه صحح البيع حالة الإطلاق، قبل بدو الصلاح وبعده، وأبطله بشرط الإبقاء قبله وبعده، وأهل مذهبه أعرف به منْ غيرهم. انتهى "الفتح" ٥/ ١٤١ - ١٤٢. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): اختلف السلف فِي قوله: "حَتَّى يبدو صلاحها"، هل المراد به جنس الثمار، حَتَّى لو بدا الصلاح فِي بستان، منْ البلد مثلا، جاز بيع ثمرة جميع البساتين، وإن لم يبد الصلاح فيها، أو لابد منْ بدو الصلاح فِي كل بستان، عَلَى حِدَةٍ، أو لابُدّ منْ بدو الصلاح فِي كل جنس عَلَى حدة، أو فِي كل شجرة عَلَى حدة، عَلَى أقوال:
[الأول]: قول الليث، وهو عند المالكية بشرط أن يكون الصلاح متلاحقا.
[والثاني]: قول أحمد، وعنه رواية كالرابع. [والثالث]: قول الشافعيّة، ويمكن أن يؤخذ ذلك منْ التعبير ببدوّ الصلاح؛ لأنه دالّ عَلَى الاكتفاء بمسمى الإزهاء، منْ غير اشتراط تكامله، فيؤخذ منه الاكتفاء، بزَهْو بعض الثمرة، وبزَهْو بعض الشجرة، مع حصول المعنى، وهو الأمن منْ العاهة، ولولا حصول المعنى، لكان تسميتها مُزهية بإزهاء بعضها، قد لا يكتفي به؛ لكونه عَلَى خلاف الحقيقة، وأيضًا فلو قيل بإزهاء الجميع؛ لأدّى إلى فساد الحائط، أو أكثره، وَقَدْ مَنّ الله تعالى بكون الثمار، لا تطيب دفعة واحدة؛ ليطول زمن التفكه بها. قاله فِي "الفتح" ٥/ ١٤٢.