الحجاز خاصّة؛ لشدّة حرّه. قَالَ البيهقيّ رحمه الله تعالى فِي "المعرفة": وَقَدْ حمل بعض منْ يدّعي تسوية الأخبار عَلَى مذهبه هذه الأخبار عَلَى بيع الثمار قبل أن تكون، واستدلّ عليه بما روينا عن نهيه عن بيع السنين، وما ورد فِي معناه، وَقَدْ عرفنا بتلك الأخبار نهيه عن بيع الثمار قبل أن تكون، وعرفنا بهذه الأخبار نهيه عن بيعها مطلقًا، إذا كانت ما لم يبدُ فيها الصلاح، ألا تراه علّق المنع بغاية توجد بعد أن تكون الثمار بمدّة، فَقَالَ:"حَتَّى تزهو"، وَقَالَ فِي حديث جابر -رضي الله عنه-: "حَتَّى تُشْقِح"، قيل: وما تُشقح؟ قَالَ: تحمارّ، أو تصفارّ، ويؤكل منها، وَقَالَ فِي رواية أخرى، عن جابر:"حَتَّى تَطِيب".
وفي ذلك دلالة عَلَى أن حكم الثمار بعد بُدُوّ الصلاح فيها فِي البيع خلاف حكمها قبل أن يبدو الصلاح فيها، فيجوز بيعها بعد بُدُوّ الصلاح فيها مطلقًا، ولا يجوز قبله إلا بشرط القطع. انتهى "المعرفة" ٤/ ٣٢٣ - ٣٢٤.
(الجواب الثاني): أن النهي فيها ليس للتحريم، وإنما هو عَلَى سبيل التنزيه، والأدب، والمشورة عليهم؛ لكثرة ما كانوا يختصمون إليه فيه.
وهذا مردود عليهم بأن الأصل فِي النهي التحريم، حَتَّى يصرفه عن ذلك صارفٌ.
وَقَدْ وافق بعضُ الحنفيّة الجمهور عَلَى بطلان البيع قبل بدوّ الصلاح منْ غير شرط؛ اتباعا للحديث، وإليه ذهب قاضي خان. أفاده فِي "طرح التثريب" ٦/ ١٢٥ - ١٢٧.
وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: وهل ذلك النهي محمول عَلَى ظاهره منْ التحريم، وهو مذهب الجمهور، أو عَلَى الكراهة، وهو مذهب أبي حنيفة، وعليه فلو وقع بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، فسخه الجمهور، وصححه أبو حنيفة، إذا ظهرت الثمرة، وبناه عَلَى أصله فِي ردّ أخبار الآحاد للقياس، والصحيح مذهب الجمهور؛ للتمسّك بظاهر النهي، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أرأيت إن منع الله الثمرة، بم يأكل أحدكم مالَ أخيه بغير حقّ؟ "، وهذا يدلّ عَلَى أن بيعها قبل بدوّ صلاحها منْ أكل المال بالباطل؛ ولأنه غرر، وبيع الغرر مُحرّم. انتهى "المفهم" ٤/ ٣٨٨.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى، منْ ترجيح مذهب الجمهور فِي تحريم بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وبطلان البيع فيه، هو الحقّ الذي يجب التمسّك به، ورفض ما عداه ممن يعارض النصوص الصحيحة الصريحة لمخالفتها القياس؛ لأن القياس فِي مقابلة النصّ هباءٌ منثور، ولقد أجاد منْ قَالَ، وأحسن فِي المقال [منْ الوافر]: