(المسألة الثالثة): فِي هَذَا الْحَدِيث النهي عن بيع الثمار حَتَّى يبدو صلاحها، وهذا يشمل ثلاثة أوجه:
[أحدها]: بيعها بشرط القطع، وهذا صحيح، وَقَدْ حكى غير واحد الإجماع عليه، منهم النوويّ، فخصّ النهي بالإجماع، لكن ذهب ابن حزم إلى منع البيع فِي هذه الصورة أيضًا، قَالَ: وممن منع بيع الثمرة مطلقًا، لا بشرط القطع، ولا بغيره سفيان الثوريّ، وابن أبي ليلى. انتهى. وهذا يقدح فِي دعوى الإجماع.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: سيأتي ٢٩/ ٤٥٢٨ - ترجيح المصنّف القول بجواز البيع بشرط القطع، حيث يقول:"شراء الثمار قبل أن يبدو صلاحها، عَلَى أن يقطعها، ولا يتركها إلى أوان إدراكها". والله تعالى أعلم.
قَالَ وليّ الدين: قَالَ أصحابنا: فلو شرط القطع، ثم لم يقطع، فالبيع باق عَلَى صحّته، ويُلزمه البائع بالقطع، فإن تراضيا عَلَى إبقائه جاز، قالوا: وإنما يجوز البيع بشرط القطع، إذا كَانَ المقطوع منتفعًا به، فإن لم تكن فيه منفعة، كالجوز، والكُمّثرى، لم يصحّ بيعه بشرط القطع.
[الحالة الثانية]: بيعها بشرط التبقية، وهذا باطلٌ بالإجماع؛ لأنه ربّما تَلِفت الثمرة قبل إدراكها، فيكون البائع قد أكل مال أخيه بالباطل، كما جاءت به الأحاديث، فإذا شُرط القطع، فقد انتفى هَذَا الضرر. وعلّله الحنفية بأنه شرط لا يقتضيه العقد، وهو شُغل ملك الغير، وبأنه جمع بين صفقتين، وهو إعارة، أو إجارة فِي بيع.
[الحالة الثالثة]: بيعها مطلقًا، منْ غير شرط قطع، ولا تبقية، ومقتضى الْحَدِيث فِي هذه الحالة البطلان، وبه قَالَ الشافعيّ، وأحمد، وجمهور العلماء، منْ السلف، والخلف. وذهب أبو حنيفة إلى الصحّة، وعن مالك قولان، كالمذهبين.
وأجاب الحنفيّة عن هَذَا الْحَدِيث بجوابين:(أحدهما): أن المراد به بيع الثمار قبل أن توجد، وتُخلق، فهو كالحديث الوارد فِي النهي عن بيع السنين.
وردّ عليهم بأن هَذَا مخالف لتفسير الصحابيّ بدوّ الصلاح فِي الْحَدِيث بأنه صفرته، وحمرته، وبأنه صلاحه للأكل منه، وبأنه ذهاب عاهته، وبأن ذلك عند طلوع الثُّرَيّا: أي مقارنته للفجر. ورُوي عن عطاء، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، مرفوعًا:"إذا طلع النجم صباحًا رُفعت العاهات عن أهل البلد، والنجم الثريّا"، والمراد -كما قَالَ بعضهم-: فِي