كالمنافع قبل استيفائها، توجد حالًا فحالًا، وقياسهم يبطل بالتخلية فِي الإجارة. انتهى "المغني" ٦/ ١٧٧ - ١٧٩.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول بوجوب وضع الجائحة هو الأرجح؛ لقوّة دليله. وأما الاحتجاج بحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- الآتي فِي الرجل الذي أصيب فِي الثمار التي ابتاعها، فيجاب عنه بجوابين:
[أحدهما]: أن أحاديث وضع الجائحة ذُكرت لبيان القاعدة، وحكمِها، وهذا الْحَدِيث واقعة عين، فتكون هي أولى منه.
[الثاني]: أنه يحتمل أن يكون اشتراؤه تلك الثمرة بعد تناهي طيبها، ودخول أوان جذاذها، فلا تحتاج إلى تبقية، ولا إلى سقي، فيكون المشتري مفرّطًا فِي تركها بعد ذلك عَلَى الشجر، فتكون منْ ضمانه، لا منْ ضمان البائع، ولهذا قَالَ -صلى الله عليه وسلم- فِي آخر الْحَدِيث:"ليس لكم إلا ذلك" فلو كانت الجوائح لا توضع، لكان لهم طلب بقيّة الدين. وجوابهم عن هَذَا بأن معناه: ليس لكم الآن إلا هَذَا، ولا يحلّ لكم مطالبته ما دام معسرًا، بل ينظر إلى ميسرة، خلاف الظاهر.
والحاصل أن وجوب وضع الجوائح هو الحق؛ لما ذُكر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي مقدار الجوائح التي توضع:
قَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: إن ظاهر المذهب، أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها، إلا أنّ ما جرت العادة بتلف مثله، كالشيء اليسير، الذي لا ينضبط، فلا يلتفت إليه، قَالَ أحمد: إني لا أقول فِي عشر ثمرات، ولا عشرين ثمرة، ولا أدري ما الثلث؟، ولكن إذا كانت جائحةً تُعرَفُ، الثلث، أو الربع، أو الخمس توضع.
وفيه رواية أخرى: أن ما كَانَ دون الثلث، فهو منْ ضمان المشتري، وهو مذهب مالك، والشافعي فِي القديم؛ لأنه لابُدَّ أن يأكل الطير منها، وتَنْثُرَ الريحُ، ويسقط منها، فلم يكن بد منْ ضابط واحد، فاصل بين ذلك، وبين الجائحة، والثلث قد رأينا الشرع اعتبره فِي مواضع، منها: الوصية، وعطايا المريض، وتساوي جراح المرأة وجراح الرجل إلى الثلث. قَالَ الأثرم: قَالَ أحمد: إنهم يستعملون الثلث فِي سبع عشرة مسألة، ولأن الثلث فِي حد الكثرة، وما دونه فِي حد القلة، بدليل قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الوصية:"الثلث، والثلث كثير"، متَّفقٌ عليه، فيدل هَذَا عَلَى أنه آخِرُ حد الكثرة، فلهذا قدر به.
ووجه الأول عموم الأحاديث، فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أمر بوضع الجوائح، وما دون الثلث داخل فيه، فيجب وضعه، ولأن هذه الثمرة لم يتم قبضها، فكان ما تَلِف منها منْ مال