فتبصّر بالإنصاف، ولا تتهوَّر بتقليد ذو الاعتساف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة) فِي اختلاف أهل العلم القائلين بجواز بيع العرايا فِي مقدارها:
قَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: لا تجوز العرايا فِي زيادة عَلَى خمسة أوسق، بغير خلاف نعلمه، وتجوز فيما دون خمسة أوسق، بغير خلاف بين القائلين بجوازها، فأما فِي خمسة أوسق، فلا يجوز عند إمامنا رحمه الله، وبه قَالَ ابن المنذر، والشافعي فِي أحد قوليه، وَقَالَ مالك، والشافعي فِي قول: يجوز، ورواه إسماعيل بن سعيد، عن أحمد؛ لأن فِي حديث زيد، وسهل أنه رَخّص فِي العرية مطلقا، ثم استثنى ما زاد عَلَى الخمسة فِي حديث أبي هريرة، وشك فِي الخمسة، فاستثنى اليقين، وبقي المشكوك فيه عَلَى مقتضى الإباحة، ولنا أنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، نهى عن المزابنة، والمزابنة بيع الرطب بالتمر، ثم أرخص فِي العرية، فيما دون خمسة أوسق، وشك فِي الخمسة، فيبقى عَلَى العموم فِي التحريم، ولأن العرية رخصة، بُنيت عَلَى خلاف النص والقياس يقينا فيما دون الخمسة، والخمسة مشكوك فيها، فلا تثبت إباحتها مع الشك. وروى ابن المنذر بإسناده أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، رخص فِي بيع العرية، فِي الوسق، والوسقين، والثلاثة، والأربعة، والتخصيص بهذا يدل عَلَى أنه لا تجوز الزيادة فِي العدد عليه، كما اتفقنا عَلَى أنه لا تجوز الزيادة عَلَى الخمسة؛ لتخصيصه إياها بالذكر. وروى مسلم عن سهل: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رخص فِي بيع العرية النخلة، والنخلتين، ولأن خمسة الأوسق فِي حكم ما زاد عليها، بدليل وجوب الزكاة فيها، دون ما نقص عنها، ولأنها قدر تجب الزكاة فيه، فلم يجز بيعه عرية، كالزائد عليها.
فأما قولهم: أرخص فِي العرية مطلقا، فلم يثبت أن الرخصة المطلقة سابقة عَلَى الرخصة المقيدة، ولا متأخرة عنها، بل الرخصة واحدة، رواها بعضهم مطلقة، وبعضهم مقيدة، فيجب حمل المطلق عَلَى المقيد، ويصير القيد المذكور فِي أحد الحديثين، كأنه مذكور فِي الآخر، ولذلك يقيد فيما زاد عَلَى الخمسة اتفاقا. انتهى "المغني" ٦/ ١٢١ - ١٢٢.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إلىه أحمد، وجماعة منْ تقديره بأقل منْ خمسة أوسق، هو الأرجح؛ لوضوح أدلّته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي أنه هل يجوز أن يشتري أكثر منْ خمسة فيما زاد عَلَى صفقة: