جابر منْ غير شك فيه، فتعين طرح الرواية التي وقع فيها الشك، والأخذ بالرواية المتيقنة، قَالَ: وألزم المزنيُّ الشافعىَّ القولَ به. انتهى.
وفيما نقله نظر، أما ابن المنذر فليس فِي شيء منْ كتبه ما نقله عنه، وإنما فيه ترجيح القول الصائر إلى أن الخمسة لا تجوز، وإنما يجوز ما دونها، وهو الذي ألزم المزنيُّ أن يقول به الشافعيُّ، كما هو بَيِّن منْ كلامه. وَقَدْ حكى ابن عبد البرّ هَذَا القول عن قوم، قَالَ: واحتجوا بحديث جابر، ثم قَالَ: ولا خلاف بين الشافعيّ، ومالك، ومن اتبعهما فِي جواز العرايا فِي أكثر منْ أربعة أوسق، مما لم يبلغ خمسة أوسق، ولم يثبت عندهم حديث جابر. قَالَ الحافظ: حديث جابر الذي أشار إليه، أخرجه الشافعيّ، وأحمد، وصححه ابن خزيمة، وابن حبّان، والحاكم، أخرجوه كلهم منْ طريق ابن إسحاق: حدثني محمّد بن يحيى بن حبّان، عن عمه واسع بن حبّان، عن جابر -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول -حين أذِن لأصحاب العرايا، أن يبيعوها بخرصها- يقول:"الوسق، والوسقين، والثلاثة، والأربع"، لفظ أحمد، وترجم عليه ابن حبّان:"الاحتياط أن لا يزيد عَلَى أربعة أوسق"، وهذا الذي قاله يتعين المصير إليه، وأما جعله حَدًّا لا يجوز تجاوزه، فليس بالواضح.
واحتج بعضهم لمالك، بقول سهل بن أبي حثمة: إن العرية تكون ثلاثة أوسق، أو أربعة، أو خمسة"، ولا حجة فيه؛ لأنه موقوف.
ومن فروع هذه المسألة: ما لو زاد فِي صفقة عَلَى خمسة أوسق، فإن البيع يبطل فِي الجميع.
وخرّج بعض الشافعيّة، منْ جواز تفريق الصفقة، أنه يجوز، وهو بعيد؛ لوضوح الفرق، ولو باع ما دون خمسة أوسق فِي صفقة، ثم باع مثلها البائع بعينه للمشترى بعينه فِي صفقة أخرى، جاز عند الشافعيّة، عَلَى الأصح، ومنعه أحمد، وأهل الظاهر، والله أعلم. انتهى "فتح" ٥/ ١٣٢.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدّم فِي مسائل حديث الباب الماضي ترجيح عدم الجواز فِي خمسة أوسق، وإنما يجوز فيما دونها، كما هو مذهب الشافعيّة، والحنبليّة، وأهل الظاهر، وترجيح عدم الجواز أيضًا فِي أكثر منْ خمسة أوسق فيما إذا تفرّقت الصفقة، كما هو مذهب الحنبلية، وأهل الظاهر قريبًا، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.