عبد الله بن عبد الوهّاب، قَالَ: سمعت مالكًا، وسأله عُبيد الله بن الربيع: أحدّثك داود، عن أبي سفيان، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رخّص فِي بيع العرايا فِي خمسة أوسق، أو دون خمسة أوسق؟، قَالَ: نعم"، ونحوه لمسلم، إلا أن السائل عنده هو يحيى بن يحيى شيخ مسلم فيه.
قَالَ فِي "الفتح": قوله: قَالَ: نعم، القائل: هو مالك، وكذلك أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، قَالَ: قلت لمالك: أحدثك داود، فذكره، وَقَالَ فِي آخره: نعم، وهذا التحمل يسمى عرض السماع، وكان مالك يختاره عَلَى التحديث منْ لفظه، واختلف أهل الْحَدِيث هل يشترط أن يقول الشيخ: نعم، أم لا؟، والصحيح أن سكوته ينزل منزلة إقراره، إذا كَانَ عارفا، ولم يمنعه مانع، وإذا قَالَ: نعم فهو أولى بلا نزاع. انتهى.
وَقَدْ تقدّم هَذَا البحث فِي هَذَا الشرح غير مرّة. وفوائد الْحَدِيث تقدّمت قريبًا أيضًا. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): قَالَ فِي "الفتح": وَقَدْ اعتبر منْ قَالَ بجواز بيع العرايا بمفهوم هَذَا العدد، ومنعوا ما زاد عليه، واختلفوا فِي جواز الخمسة؛ لأجل الشكّ المذكور، والخلاف عند المالكية، والشافعية، والراجح عند المالكية: الجواز فِي الخمسة، فما دونها، وعند الشافعيّة الجواز فيما دون الخمسة، ولا يجوز فِي الخمسة، وهو قول الحنابلة، وأهل الظاهر.
فمأخذ المنع: أن الأصل التحريم، وبيع العرايا رخصة، فيؤخذ منه بما يتحقق منه الجواز، ويُلغى ما وقع فيه الشك.
وسبب الخلاف: أن النهي عن بيع المزابنة، هل ورد متقدما، ثم وقعت الرخصة فِي العرايا، أو النهي عن بيع المزابنة، وقع مقرونا بالرخصة، فِي بيع العرايا، فعلى الأول لا يجوز فِي الخمسة؛ للشك فِي رفع التحريم، وعلى الثاني يجوز؛ للشك فِي قدر التحريم، ويُرَجِّح الأول روايةُ سالم المذكورة، قبل بابين.
واحتج بعض المالكية بأن لفظه "دون" صالحة لجميع ما تحت الخمسة، فلو عملنا بها للزم رفع هذه الرخصة.
وتعقب بأن العمل بها ممكن، بأن يحمل عَلَى أقل ما تصدق عليه، وهو المفتى به فِي مذهب الشافعيّ، وَقَدْ روى الترمذيّ، حديث الباب منْ طريق زيد بن الحباب، عن مالك، بلفظ:"أرخص فِي بيع العرايا، فيما دون خمسة أوسق"، ولم يتردد فِي ذلك. وزعم المازري أن ابن المنذر ذهب إلى تحديد ذلك بأربعة أوسق؛ لوروده فِي حديث