(عَنْ سَعْد) بن أبي وقّاص -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، عَنِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ؟) أي عن شرائه به، ففي رواية أبي داود:"سئل عن شراء التمر بالرُّطَب"(فَقَالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (لِمَنْ حَوْلَهُ) أي للصحابة الجالسين حوله (أَيَنْقُصُ) بفتح أوله، وضم ثالثه، منْ النقص، ثلاثيّا، وهو يتعدّى، ويلزم، والمناسب هنا اللزوم، قَالَ الفيّوميّ: نقص نقصًا، منْ باب قتل، ونُقصاناً، وانتقص: ذهب منه شيء بعد تمامه، ونقصته يتعدّى، ولا يتعدّى، هذه هي اللغة الفصيحة، وبها جاء القرآن فِي قوله تعالى:{نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}[الرعد: ٤١]، وقوله:{غَيْرَ مَنْقُوصٍ}[هود: ١٠٩]، وفي لغة ضعيفة يتعدّى بالهمزة، والتضعيف، ولم يأت فِي كلام فصيح، ويتعدّى أيضًا بنفسه إلى مفعولين، فيقال: نقصتُ زيدًا حقّه، وانتقصته مثله، ودرهم ناقصٌ: غير تام الوزن. انتهى. كلام الفيّوميّ (الرُّطَبُ) بالرفع عَلَى الفاعليّة (إِذَا يَبِسَ؟) بكسر الباء الموحّدة، منْ باب تعب، وفي لغة بكسر الماضي والمضارع: أي إذا جفّ، وذهبت رطوبته.
قَالَ الخطّابيّ رحمه الله تعالى: لفظه لفظ استفهام، ومعناه التقرير، والتنبيه فيه عَلَى نكتة الحكم، وعلّتِهِ؛ ليعتبروها فِي نظائرها وأخواتها، وذلك أنه لا يجوز أن يخفى عليه -صلى الله عليه وسلم- أن الرطب إذا يبس نقص وزنه، فيكونَ سؤاله عنه سؤال تعرّف، واستفهام، وإنما هو عَلَى الوجه الذي ذكرته، وهذا كقول جرير [منْ الوافر]:
ولو كَانَ هَذَا استفهامًا، لم يكن فيه مدحٌ، وإنما معناه: أنتم خير منْ ركِب المطايا.
وهذا الْحَدِيث أصلٌ فِي أبواب كثيرة، منْ مسائل الربا، وذلك أن كلّ شيء منْ المطعوم، مما له نداوة، ولجفافه نهايةٌ، فإنه لا يجوز رَطْبه بيابسه، كالعنب، بالزبيب، واللحم النيء بالقديد، ونحوهما، وكذلك لا يجوز عَلَى هَذَا المعنى منه الرُّطَب بالرطب؛ لأن اعتبار المماثلة إنما يصحّ فيهما عند أوان الجفاف، وهما إذا تناهى جفافهما، كانا مختلفين؛ لأن أحدهما قد يكون أرَقّ رِقّةً، وأكثر مائيّة منْ الآخر، فالجفاف ينال منه أكثر، وتتفاوت مقاديرهما فِي الكيل عند المماثلة. انتهى "معالم السنن" ٥/ ٣٢ - ٣٣.
وَقَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: قوله: "أينقص الرُّطَب": تنبيه عَلَى علّة المنع بعد اتحاد الجنس، فيجري المنع فِي كلّ ما تَجري فيه هذه العلة، قَالَ القاضي رحمه الله تعالى فِي "شرح المصابيح": ليس المراد منْ الاستفهام استفهام القضيّة، فإنها جليّةٌ