بالغائب أعم منْ المؤجّل، كالغائب عن المجلس مطلقًا، مؤجّلاً كَانَ، أو حالاً، والناجز الحاضر.
قَالَ النوويّ: وَقَدْ أجمع العلماء عَلَى تحريم بيع الذهب بالذهب، أو بالفضّة مؤجّلاً، وكذلك الحنطة بالحنطة، أو بالشعير، وكذلك كلّ شيئين اشتركا فِي علّة الربا، أما إذا باع دينارًا بدينار كلاهما فِي الذّمّة، ثم أخرج كلّ واحد الدينار، أو بعث منْ أحضر له دينارًا منْ بيته، وتقابضا فِي المجلس، فيجوز بلا خلاف عند الشافعيّة؛ لأن الشرط أن لا يتفرّقا بلا قبض، وَقَدْ حصل، ولهذا قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "ولا تبيعوا شيئًا غائبًا منه بناجز، إلا يدًا بيد".
وأما قول القاضي عياض: اتّفق العلماء عَلَى أنه لا يجوز بيع أحدهما بالآخر إذا كَانَ أحدهما مؤجّلاً، أو غاب عن المجلس، فليس كما قَالَ، فإن الشافعيّ وأصحابه، وغيرهم متّفقون عَلَى جواز الصور التي ذكرتها. والله أعلم. انتهى "شرح مسلم" ١١/ ١٢ - ١٣.
وَقَالَ ابن بطال: فيه حجة للشافعي فِي قوله: منْ كَانَ له عَلَى رجل دراهم، ولآخر عليه دنانير، لم يجز أن يقاص أحدهما الآخر بما له؛ لأنه يدخل فِي معنى بيع الذهب بالورق دينا؛ لأنه إذا لم يجز غائب بناجز، فأحرى أن لا يجوز غائب بغائب. وأما الْحَدِيث الذي أخرجه أصحاب السنن, عن ابن عمر، قَالَ: كنت أبيع الإبل بالبقيع، أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؟، فَقَالَ:"لا بأس به إذا كَانَ بسعر يومه، ولم تفترقا وبينكما شيء"، فلا يدخل فِي بيع الذهب بالورق دينا؛ لأن النهي بقبض الدراهم عن الدنانير، لم يقصد إلى التأخير فِي الصرف. انتهى.
واستدل بقوله:"مثلا بمثل" عَلَى بطلان البيع بقاعدة مُدّ عَجْوَة، وهو أن يبيع مد عجوة ودينارا، بدينارين مثلا، وأصرح منْ ذلك فِي الاستدلال عَلَى المنع، حديث فَضَالة بن عبيد عند مسلم، فِي رد البيع فِي القلادة التي فيها خَرَزٌ وذهب، حَتَّى تُفَصَّل، أخرجه مسلم، وفي رواية أبي داود:"فقلت: إنما أردت الحجارة، فَقَالَ: "لا حَتَّى يتميز بينهما". قاله فِي "الفتح" ٥/ ١٢٢. وسيأتي حديث فَضالة -رضي الله عنه- فِي الباب التالي، وسنتكلّم عليه هناك، إن شاء الله تعالى.
والحديث متّفقٌ عليه، وَقَدْ مضى البحث عنه قبل بابين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.