النسيئة" فقد قَالَ قائلون بأنه منسوخ بهذه الأحاديث، وَقَدْ أجمع المسلمون عَلَى ترك العمل بظاهره، وهذا يدل عَلَى نسخه. وتأوله آخرون تأويلات:[أحدها]: أنه محمول عَلَى غير الربويات، وهو كبيع الدين بالدين مؤجلا، بأن يكون له عنده ثوب موصوف، فيبيعه بعبد موصوف مؤجلا، فإن باعه به حالّا جاز. [الثاني]: أنه محمول عَلَى الأجناس المختلفة، فإنه لا ربا فيها منْ حيث التفاضل، بل يجوز تفاضلها يدا بيد. [الثالث]: أنه مجمل، وحديث عبادة بن الصامت، وأبي سعيد الخدريّ، وغيرهما مُبَيَّن، فوجب العمل بالمبين، وتنزيل المجمل عليه، هَذَا جواب الشافعيّ رحمه الله تعالى. انتهى كلام النوويّ. فِي "شرحه" ١١/ ٢٦ - ٢٧.
وَقَالَ فِي "الفتح" ٥/ ١٢٤ - : اتفق العلماء عَلَى صحة حديث أسامة، واختلفوا فِي الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد، فقيل: منسوخ، لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال. وقيل: المعنى فِي قوله: "لا ربا" الربا الأغلظ الشديد التحريم، المتوعدُ عليه بالعقاب الشديد، كما تقول العرب: لا عالم فِي البلد إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل، لا نفي الأصل، وأيضا فنفي تحريم ربا الفضل، منْ حديث أسامة، إنما هو بالمفهوم، فيقدم عليه حديث أبي سعيد؛ لأن دلالته بالمنطوق، ويُحمَل حديث أسامة عَلَى الربا الأكبر، كما تقدم. والله أعلم. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أقرب التأويلات الترجيح بأن دلالة حديث أسامة بالمفهوم، ودلالة حديث أبي سعيد بالمنطوق، فيرجّح المنطوق عَلَى المفهوم، كما سبق استحسانه فِي كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الْحَدِيث منْ أحاديث الباب التالي، فكان الأولى إيراده هناك، كما فعل فِي "الكبرى"، فإنه أورده هناك، والله تعالى أعلم.
ورجال هَذَا الإسناد: ستة:
١ - (أحمد بن يحيى) الأوديّ، أبو جعفر الكوفيّ العابد، ثقة [١١] ٣٨/ ١٢٧٤.
٢ - (أبو نُعيم) الفضل بن دُكين الحافظ الكوفيّ، ثقة ثبت [٩] ١١/ ٥١٦.