(ومنها): ما أخرجه أبو داود، والحاكم، وابن حبّان، وصحّحاه، منْ حديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بلفظ:"أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تباع السِّلع حيث تبتاع حَتَّى يحوزها التجّار إلى رحالهم"، فهو وإن كَانَ فيه محمد بن إسحاق، وَقَدْ عنعنه، لكنه يشهد له ما تقدّم، فهذه الأحاديث كما رأيت صالحة للحجيّة، ولاسيّما حديث عبد الله بن عَمْرِو رضي الله تعالى عنهما، فإنه بمفرده كاف للحجيّه، وأيضًا قول ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما فيما يأتي:"فأحسب أن كل شيء بمنزلة الطعام"، وفي رواية البخاريّ:"ولا أحسب كل شيء إلا مثله".
والحاصل أن أرجح الأقوال هو القول الخامس، وهو مذهب الشافعيّ رحمه الله تعالى وجماعة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي التصرّف فِي المبيع قبل القبض بغير البيع:
اختلفوا فِي ذلك عَلَى أربعة أقوال:
(القول الأول): قصر المنع عَلَى البيع، وتجويز غيره منْ التصرّفات قبل القبض، قاله ابن حزم، قَالَ: والشركة، والتولية، والإقالة كلّها بيوعٌ مبتدأة لا يجوز فِي شيء منها إلا ما يجوز فِي سائر البيوع.
(القول الثاني): أن سائر التصرّفات فِي المنع قبل القبض كالبيع، قَالَ وليّ الدين: وهذا هو الذي فهمته منْ مذهب الحنابلة؛ لإطلاق ابن تيميّة فِي "المحرّر" التصرّف منْ غير استثناء شيء منه.
(القول الثالث): طرد المنع فِي كلّ معاوضة فيها حقّ توفية، منْ كيل، أو شبهه بخلاف القرض، والهبة، والصدقة، وهذا مذهب مالك، وأرخص فِي الإقالة، والتولية، والشركة مع كونها معاوضات فيها حقّ توفية، قَالَ ابن حزم: واحتجّوا بما رويناه منْ طريق عبد الرزّاق، قَالَ ابن جريج: أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاله حديثًا مستفيضًا فِي المدينة:"منْ ابتاع طعامًا فلا يبعه حَتَّى يقبضه، ويستوفيه، إلا أن يشرك فيه، أو يوليه، أو يقيله"، وَقَالَ مالك: إن أهل العلم اجتمع رأيهم عَلَى أنه لا بأس بالشركة، والإقالة، والتولية فِي الطعام وغيره -يعني قبل القبض- قَالَ ابن حزم: ما نعلم رُوي هَذَا إلا عن ربيعة، وطاوس فقط، وقوله عن الحسن فِي التولية، قد جاء عنه خلافها، قَالَ ابن حزم: وخبر ربيعة مرسل، ولو استفاضَ عن أصل صحيح، لكان الزهريّ أولى بأن يعرف ذلك منْ ربيعة، والزهريّ مخالف له فِي ذلك، قَالَ: التولية بيع فِي الطعام وغيره، ثم ذكر عن الحسن أنه قَالَ: ليس له أن يولّيه حَتَّى