للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

استثنى منْ ذلك العقار؛ لانتفاء الغرر فيه، فإن الهلاك فيه نادر بخلاف غيره.

(القول السادس): جواز البيع قبل القبض مطلقًا فِي كلّ شيء، وبهذا قَالَ عثمان البتّيّ، قَالَ ابن عبد البرّ: هَذَا قول مردود بالسنّة، والحجة المجمعة عَلَى الطعام فقط، وأظنّه لم يبلغه الْحَدِيث، ومثل هَذَا لا يُلتفت إليه. وَقَالَ النوويّ: وحكاه المازريّ، والقاضي عياض، ولم يحكه الأكثرون، بل نقلوا الإجماع عَلَى بطلان بيع الطعام المبيع قبل قبضه، قالوا: وإنما الخلاف فيما سواه، فهو شاذّ متروك. قَالَ وليّ الدين: وحكاه ابن حزم عن عطاء بن أبي رباح.

(القول السابع): منع البيع قبل القبض فِي القَمْح مطلقًا، وفي غيره إن ملكه بالشراء خاصّةً، ويُعتبر أيضًا فِي القمح خاصَّةً مع القبض، وهو إطلاق اليد عليه، وعدم الحيلولة بينه وبين أن ينقله عن موضعه الذي هو فيه إلى مكان آخر، فإن اشتراه بكيل لم يحلّ له بيعه حَتَّى يكتاله، فإذا اكتاله حلّ له بيعه، وإن لم ينقله عن موضعه، وبهذا قَالَ ابن حزم الظاهريّ، وتمسّك فِي القمح بحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما: "أما الذي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُباع حَتَّى يُقبض، فهو الطعام"، وَقَالَ: فهذا تخصيص للطعام فِي البيع خاصّة، وعموم له بأيّ وجه مُلك، واسم الطعام فِي اللغة لا يُطلق إلا عَلَى القمح وحده، وإنما يُطلق عَلَى غيره بإضافة، وتمسّك فِي غير القمح بحديث حكيم بن حزام -رضي الله عنه- المتقدّم، وَقَالَ: هَذَا عموم لكلّ بيع، ولكلّ ابتياع، والمذكور فِي حديثي ابن عمر، وابن عبّاس -رضي الله عنهم- بعض ما فِي حديث حكيم بن حزام -رضي الله عنه-، فهو أعمّ، ثم حكى مثل قوله عن ابن عبّاس، وجابر، والحسن، وابن شُبْرُمة -رضي الله عنهم-. هكذا ذكر هذه الأقوال فِي "طرح التثريب" ٥/ ١٥٥٥ - ١٥٥٨.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أرجح الأقوال هو القول الخامس، وهو منع البيع قبل القبض، مطلقًا، حَتَّى فِي العقار، فهو أرجح؛ لثبوت النصوص بذلك:

(فمنها): ما يأتي للمصنّف رحمه الله تعالى منْ حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحلّ سلَفٌ، وبيعٌ، ولا شرطان فِي بيع، ولا ربح ما لم يُضمَن"، وهو حديث صحيحٌ، فمعنى "ربح ما لم يُضمن" هو ربح مبيع اشتراه، فباعه، قبل أن ينتقل منْ ضمان البائع، وهو يعمّ كل شيء، الطعام، وسائر المنقولات، وغيرها.

(ومنها): حديث حكيم بن حزام -رضي الله عنه- الذي أخرجه أحمد فِي "مسنده" بلفظ: "إذا اشتريت بيعًا، فلا تبعه حَتَّى تقبضه"، فهو وإن كَانَ فِي سنده راو مبهم، إلا أنه يشهد له حديث ابن عمرو هَذَا.