للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولنا ما رَوَى أبو هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إذا بعت فكِلْ، وإذا ابتعت فاكتل"، رواه البخاريّ، وعن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنه نهى عن بيع الطعام حَتَّى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري"، رواه ابن ماجه (١)، وهذا فيما بيع كيلا، وإن بيع جزافا فقبضه نقله, لأن ابن عمر قَالَ: "كانوا يُضرَبون عَلَى عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذا اشتروا طعاما جِزافا، أن يبيعوه فِي مكانه، حَتَّى يحولوه"، وفي لفظ: "كنا نبتاع الطعام جِزافا، فبُعِثَ علينا منْ يأمرنا بانتقاله منْ مكانه، الذي ابتعناه إلى مكان سواه، قبل أن نبيعه"، وفي لفظ: "كنا نشتري الطعام منْ الركبان جِزافًا، فنهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نبيعه حَتَّى ننقله"، رواهن مسلم. وهذا يبين أن الكيل إنما وجب فيما بيع بالكيل، وَقَدْ دل عَلَى ذلك أيضا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سميت الكيل فكل" (٢)، رواه الأثرم.

وإن كَانَ المبيع دراهم أو دنانير، فقبضها باليد، هان كَانَ ثيابا باليد فقبضها نقلها، وإن كَانَ حيوانا فقبضه تمشيته منْ مكانه، وإن كَانَ مما لا يُنقل ويحول، فقبضه التخلية بينه وبين مشريه، لا حائل دونه، وَقَدْ ذكره الْخِرَقي فِي "باب الرهن" فَقَالَ: إن كَانَ مما ينقل فقبضه أخذه إياه منْ راهنه منقولا، وإن كَانَ لا ينقل فقبضه تخلية راهنه بينه وبين مرتهنه، لا حائل دونه، ولأن القبض مطلق فِي الشرع، فيجب الرجوع فيه إلى العرف، كالإحراز، والتفرق، والعادة فِي قبض هذه الأشياء ما ذكرنا. انتهى "المغني" ٦/ ١٧٦ - ١٨٨. وهو بحث نفيس جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): فِي بيان مَن عليه أجرة الكيل، والوزن:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: وأجرة الكيال والوزان، فِي المكيل والموزون عَلَى البائع؛ لأن عليه تقبيضَ المبيع للمشتري، والقبض لا يحصل إلا بذلك، فكان عَلَى البائع، كما أن عَلَى بائع الثمرة سقيَهَا، وكذلك أجرة الذي يَعُدّ المعدودات، وأما نقل المنقولات وما أشبهه، فهو عَلَى المشتري؛ لأنه لا يتعلق به حق توفية، نص عليه أحمد رحمه الله تعالى.

قَالَ: ويصح القبض قبل نقد الثمن وبعده، باختيار البائع، وبغير اختياره؛ لأنه ليس للبائع حبس المبيع عَلَى قبض الثمن، ولأن التسليم منْ مقتضيات العقد، فمتى وُجد بعده وقع موقعه كقبض الثمن. انتهى "المغني" ٦/ ١٨٨. والله تعالى أعلم بالصواب،


(١) رواه ابن ماجه فِي "سننه" ٢/ ٧٥٠ وفي إسناده محمد بن أبي ليلى، سيء الحفظ، وحسن الْحَدِيث بعضهم.
(٢) رواه ابن ماجه فِي "سننه" ٢/ ٧٥٠ وفي سنده عبد الله بن لهيعة، لكنه منْ رواية عبد الله بن يزيد المقرىء، وهو ممن روى عنه قبل اختلاطه، ولذلك صحح الْحَدِيث بعض المحدّثين.