للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الظاهر، فاكتُفي برؤية ظاهره بخلاف الثوب، فإن نشره لا يَشُقّ، ولم تختلف أجزاؤه، ولا يحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة؛ لأنه عَلِمَ ما اشترى بأبلغ الطرق، وهو الرؤية، وكذلك لو قَالَ: بعتك نصف هذه الصبرة، أو ثلثها، أو جزءا منها معلوما جاز؛ لأن ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه، كالحيوان، ولأن جملتها معلومة بالمشاهدة، فكذلك جزؤها، قَالَ ابن عقيل: ولا يصح هَذَا، إلا أن تكون الصبرة متساوية الأجزاء، فإن كانت مختلفة، مثل صبرة بَقّال القرية لم يصح، ويحتمل أن يصح؛ لأنه يشتري منها جزءا مشاعا، فيستحق منْ جيدها ورديئها بقسطه.

ولا فرق بين الأثمان والْمُثْمَنات فِي صحة بيعها جزافا، وَقَالَ مالك: لا يجوز فِي الأثمان؛ لأن لها خطرا, ولا يشق وزنها ولا عددها، فأشبه الرقيق والثياب، ولنا أنه معلوم بالمشاهدة، فأشبه المثمنات، والنقرةَ والْحَلْيَ، ويبطل بذلك ما قاله، أما الرقيق فإنه يجوز بيعهم إذا شاهدهم، ولم يَعُدّهم، وكذلك الثياب إذا نشرها، ورأى جميع أجزائها. انتهى "المغني" ٦/ ٢٠١ - ٢٠٢. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم بيع ما اشتُري جزافًا قبل نقله منْ مكانه:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى أيضًا: إذا اشترى الصبرة جزافا، لم يجز له بيعها حَتَّى ينقلها، نص عليه أحمد فِي رواية الأثرم، وعنه رواية أخرى، له بيعها قبل نقلها، اختارها القاضي، وهو مذهب مالك؛ لأنه مبيع متعين لا يحتاج إلى حق توفية، فأشبه الثوب الحاضر. ولنا قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "إن كنا لنشتري الطعام منْ الركبان جزافا، فنهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نبيعه حَتَّى ننقله منْ مكانه"، وعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ ابتاع طعاما، فلا يبعه حَتَّى يستوفيه"، متّفقٌ عليه، مع ما ذكرنا منْ الأخبار، ورَوَى الأثرم بإسناده عن عُبيد بن حنين، قَالَ قدم زيتٌ، منْ الشام فاشتريت منه أبعرة، وفرغت منْ شرائها، فقام إليّ رجل، فأربحني فيها ربحا، فبسطت يدي لأبايعه، فإذا رجل يأخذني منْ خلفي، فنظرت فإذا زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، فَقَالَ: لا تبعه حَتَّى تنقله إلى رحلك؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك (١).

فإذا تقرر هَذَا، فإن قبضها نقلها، كما جاء فِي الخبر، ولأن القبض لو لم يعين فِي الشرع، لوجب رده إلى العرف، كما قلنا فِي الإحياء، والإحراز، والعادةُ فِي قبض الصبرة النقل. انتهى. "المغني" ٦/ ٢٠١ - ٢٠٢.


(١) أخرجه أبو داود فِي "سننه" رقم ٣٤٩٩ وفيه عنعنة ابن إسحاق، لكنه صحيح بشواهده، كما سبق الكلام فيه.