قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبين بما ذُكر أن الصواب منع بيع المشترى جزافًا، حَتَّى يتمّ القبض بنقله منْ مكانه إلى مكان آخر؛ لصحّة الأحاديث بذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: لا يحل لبائع الصبرة أن يَغُشّها بأن يجعلها عَلَى دَكّة، أو رَبْوَة، أو حجر ينقصها، أو يجعل الرديء فِي باطنها، أو المبلول، ونحو ذلك؛ لما رَوَى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَرّ عَلَى صبرة منْ طعام، فأدخل يده، فنالت أصابعه بللا، فَقَالَ:"يا صاحب الطعام ما هَذَا؟ " قَالَ: أصابته السماء يا رسول الله، قَالَ:"أفلا جعلته فوق الطعام، حَتَّى يراه النَّاس؟ "، ثم قَالَ:"منْ غشنا فليس منا"، قَالَ الترمذيّ: هَذَا حديث حسن صحيح.
فإذا وُجد ذلك ولم يكن المشتري علم به، فله الخيار بين الفسخ وأخذ تفاوت ما بينهما؛ لأنه عيب، وإن بان تحتها حُفْرة، أو بان باطنها خيرا منْ ظاهرها، فلا خيار للمشتري؛ لأنه زيادة له، وإن علم البائع ذلك، فلا خيار له؛ لأنه دخل عَلَى بصيرة به، وإن لم يكن علم فله الفسخ، كما لو باع بعشرين درهما، فوزنها بصّنْجَة، ثم وجد الصنجة زائدة، كَانَ له الرجوع، وكذلك لو باع بمكيال، ثم وجده زائدا، ويحتمل أنه لا خيار له؛ لأن الظاهر أنه باع ما يعلم، فلا يثبت له الفسخ بالإحتمال. انتهى "المغني" ٦/ ٢٠٣ وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة.
و"يحيى": هو القطّان. و"عُبيد الله": هو ابن عمر العمريّ.
وقوله:"يبتاعون": أي يشترون. وفيه أن التلقّي فِي أعلى السوق منْ تلقّي الركبان الذي ورد النهي عنه، وبذلك جمع الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى بين أحاديث النهي عن تلقّي البيوع، وبين هَذَا الْحَدِيث، حيث قَالَ:"باب منتهى التلقّي"، ثم أورد حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما هَذَا.
قَالَ فِي "الفتح" -٥/ ١١٥ - ١١٦: قوله: "باب منتهى التلقّي": أي وابتدائه، وَقَدْ ذكرنا أن الظاهر أنه لا حد لانتهائه منْ جهة الجالب، وأما منْ جهة المتلقي، فقد أشار المصنّف