للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلا وزنا، وهكذا ذكره القاضي، وابن أبي موسى؛ لأنه مبيع يشترط معرفة قدره، فلم يجز بغير ما هو مقدر به فِي الأصل، كبيع الرطوبات بعضها ببعض، ولأنه قدر المسلم بغير ما هو مقدر به فِي الأصل، فلم يجز، كما لو أسلم فِي المذروع وزنا، ونقل المروذي عن أحمد: أنه يجوز السلم فِي اللبن إذا كَانَ كيلا أو وزنا، وهذا يدل عَلَى إباحة السلم فِي المكيل وزنا، وفي الموزون كيلا؛ لأن اللبن لا يخلو منْ كونه مكيلا، أو موزونا، وَقَدْ أجاز السلم فيه بكل واحد منهما، وهذا قول الشافعيّ، وابن المنذر، وَقَالَ مالك: ذلك جائز، إذا كَانَ النَّاس يتبايعون التمر وزنا، قَالَ الموفّق: وهذا أصح إن شاء الله تعالى؛ لأن الغرض معرفة قدره، وخروجه منْ الجهالة، وإمكان تسليمه منْ غير تنازع، فبأي قدر قدره جاز، ويفارق بيع الربويات، فإن التماثل فيها فِي المكيل كيلا، وفي الموزون وزنا شرط، ولا نعلم هَذَا الشرط إذا قدرها بغير مقدارها الأصلي. انتهى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي صححه الموفّق رحمه الله تعالى هو الصواب عندي؛ لوضوح حجته، كما بينه فِي كلامه المذكور آنفًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة العاشرة): فِي الكلام عَلَى الشرط الرابع: وهو أن يكون مؤجلا أجلا معلومًا، وَقَدْ اختلف أهل العلم فِي ثلاثة مواضع منْ هَذَا الشرط:

[أحدها]: أنه يشترط لصحة السلم كونه مؤجلا, ولا يصح السلم الحالّ، قَالَ أحمد فِي رواية المروذي: لا يصح حَتَّى يشترط الأجل، وبهذا قَالَ أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي، وَقَالَ الشافعيّ، وأبو ثور، وابن المنذر: يجوز السلم حالًّا؛ لأنه عقد يصح مؤجلا، فصح حالًّا، كبيوع الأعيان، ولأنه إذا جاز مؤجلا، فحالا أجوز، ومن الغرر أبعد.

واحتجّ الأولون بقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "منْ أسلف فِي شيء، فليسلف فِي كيل معلوم، أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم"، فأمر بالأجل، وأمره يقتضي الوجوب، ولأنه أمر بهذه الأمور؛ تبيينا لشروط السلم، ومنعا منه بدونها، وكذلك لا يصح إذا انتفى الكيل والوزن، فكذلك الأجل، ولأن السلم إنما جاز رخصة للرفق، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل، فإذا انتفى الأجل انتفى الرفق، فلا يصح كالكتابة، ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه: أما الاسم فلأنه يسمى سَلَمًا وسَلَفًا؛ لتعجل أحد العوضين، وتأخر الآخر، ومعناه ما ذكرناه فِي أول الباب، منْ أن الشارع أرخص فيه للحاجة الداعية إليه، ومع حضور ما يبيعه حالاً لا حاجة إلى السلم، فلا يثبت، ويفارق بيوع الأعيان، فإنها