للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لم تثبت عَلَى خلاف الأصل، لمعنى يختص بالتأجيل، وما ذكروه منْ التنبيه غير صحيح؛ لأن ذلك إنما يجزىء فيما إذا كَانَ المعنى المقتضي موجودا فِي الْفَرَع بصفة التأكيد، وليس كذلك هاهنا، فإن البعد منْ الضرر، ليس هو المقتضي لصحة السلم المؤجل، وإنما المصحح له شيء آخر، لم نذكر اجتماعهما فيه، وَقَدْ بينا افتراقهما.

إذا ثبت هَذَا، فإنه إن باعه ما يصح السلم فيه حالا فِي الذمة صح، ومعناه معنى السلم، وإنما افترقا فِي اللفظ.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن أرجح الأقوال ما ذهب إليه الجمهور منْ اشتراط كونه مؤجّلاً؛ لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إلى أجل معلوم". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب ..

[الموضع الثاني]: مما اختلفوا فيه أيضًا: أنه لابد منْ كون الأجل معلوما؛ لقوله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} الآية [البقرة: ٢٨٢]، وقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إلى أجل معلوم"، قَالَ الموفّق: ولا نعلم فِي اشتراط العلم فِي الجملة اختلافا، فأما كيفيته، فإنه يحتاج أن يعلمه بزمان بعينه لا يختلف، ولا يصح أن يؤجله بالحصاد، والجذاذ، وما أشبهه، وكذلك قَالَ ابن عباس، وأبو حنيفة، والشافعي، وابن المنذر، وعن أحمد رواية أخرى: أنه قَالَ: أرجو أن لا يكون به بأس، وبه قَالَ مالك، وأبو ثور، وعن ابن عمر: أنه كَانَ يبتاع إلى العطاء، وبه قَالَ ابن أبي ليلى، وَقَالَ أحمد: إن كَانَ شيء يُعرف، فأرجو، وكذلك إن قَالَ: إلى قُدُوم الغزاة، وهذا محمول عَلَى أنه أراد وقت العطاء, لأن ذلك معلوم، فأما نفس العطاء، فهو فِي نفسه مجهول، يختلف، ويتقدم، ويتأخر، ويحتمل أنه أراد نفس العطاء؛ لكونه يتفاوت أيضا، فأشبه الحصاد، واحتج منْ أجاز ذلك، بأنه أجل يتعلق بوقت منْ الزمن، يعرف فِي العادة، لا يتفاوت فيه تفاوتا كثيرا، فأشبه إذا قَالَ: إلى رأس السنة.

واحتجّ الأولون بما رُوي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه قَالَ: لا تتبايعوا إلى الحصاد والدياس، ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم، ولأن ذلك يختلف، ويقرب ويبعد، فلا يجوز أن يكون أجلاً، كقدوم زيد.

[فإن قيل]: فقد رُوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بَعَث إلى يهودي: أن ابعث إلى بثوبين إلى الميسرة".

[قلنا]: قَالَ ابن المنذر: رواه حَرَمِيّ بن عُمارة، قَالَ أحمد: فيه غفلة، وهو صدوق، قَالَ ابن المنذر: فأخاف أن يكون منْ غفلاته، إذ لم يتابع عليه، ثم لا خلاف فِي أنه لو جعل الأجل إلى الميسرة لم يصح. انتهى.