راويها منْ المقال، ومع ذلك، فالمشهور عنه اللفظ الذي، رواه غيره، وهو النهي عن بيعتين فِي بيعة، ولا حجة فيه عَلَى المطلوب، ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي، صالحة للاحتجاج، لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع، كما سلف عن ابن رسلان قادحا فِي الاستدلال بها عَلَى المتنازع فيه، عَلَى أن غاية ما فيها الدلالة عَلَى المنع منْ البيع، إذا وقع عَلَى هذه الصورة، وهي أن يقول: نقدا بكذا، ونسيئة بكذا، إلا إذا قَالَ منْ أول الأمر نسيئة بكذا فقط، وكان أكثر منْ سعر يومه، مع أن المتمسكين بهذه الرواية, يمنعون منْ هذه الصورة، ولا يدل الْحَدِيث عَلَى ذلك، فالدليل أخص منْ الدعوى، وَقَدْ جمعنا رسالة فِي هذه المسألة، وسميناها "شِفاء الغُلَل، فِي حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل"، وحققناها تحقيقا، لم نُسبق إليه.
والعلة فِي تحريم بيعتين فِي بيعة، عدم استقرار الثمن، فِي صورة بيع الشيء الواحد بثمنين، والتعليق بالشرط المستقبل، فِي صورة بيع هَذَا عَلَى أن يبيع منه ذاك، ولزوم الربا فِي صورة قفيز الحنطة. انتهى كلام الشوكانيّ رحمه الله تعالى. "نيل الأوطار" ٥/ ١٦١ - ١٦٣.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تقدم أن الأشبه فِي معنى النهي عن بيعتين فِي بيعة أن يقول: بعتك هذه السلعة بعشرة نقدًا، وآخذها منك بعشرين نسيئة، وهي المسألة المشهورة ببيع العينة والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هَذَا صحيح.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٧٣/ ٤٦٣٣ - وفي "الكبرى" ٧٤/ ٦٢٢٨. وأخرجه (د) فِي "البيوع" ٣٤٦١ (ت) فِي "البيوع" ١٣٣١ (أحمد) فِي "باقي مسند المكثرين" ٩٣٠١ و٢٧٢٤٥. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي البحث عن بيع العينة:
أخرج الإِمام أبو داود رحمه الله تعالى فِي "سننه" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذُلّا، لا ينزعه حَتَّى ترجعوا إلى دينكم". والحديث صحيح بمجموع طرقه، كما بينه الشيخ الألبانيّ رحمه الله تعالى فِي "السلسلة الصحيحة" ١/ ١٥ - ١٧ رقم ١١.