قَالَ الرافعيّ: بيع العينة: هو أن يبيع شيئًا منْ غيره بثمن مؤجّل، ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقلّ منْ ذلك القدر. انتهى. وَقَدْ ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وجوّز ذلك الشافعيّ، وأصحابه. كذا فِي "النيل".
وَقَدْ كتب الإِمام ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله تعالى بحثًا نفيسًا فِي هَذَا الْحَدِيث، فِي كتابه "تهذيب السنن"، ولنفاسته أحببت إيراده بطوله؛ تتميمًا للفائدة، وتكثيرًا للعائدة:
قَالَ رحمه الله تعالى: وفي الباب حديث أبي إسحاق السبيعيّ، عن امرأته، أنها دخلت عَلَى عائشة رضي الله تعالى عنها، فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم، قالت: يا أم المؤمنين، إني بعت غلاما منْ زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة، وإني ابتعته منه بستمائة نقدًا، فقالت لها عائشة: بئسما اشتريتِ، أخبري زيدًا أن جهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد بطل إلى أن يتوب". هَذَا الْحَدِيث رواه البيهقيّ، والدارقطنيّ، وذكره الشافعيّ، وأعلّه بالجهالة بحال امرأة أبي إسحاق، وَقَالَ: لو ثبت، فإنما عابت عليها بيعًا إلى العطاء؛ لأنه أجلٌ غير معلوم، ثم قَالَ: ولا يثبت مثل هَذَا عن عائشة، وزيد بن أرقم لا يبيع إلا ما يراه حلالاً. قَالَ البيهقيّ: ورواه يونس بن أبي إسحاق، عن أمه العالية بنت أنفع: أنها دخلت عَلَى عائشة مع أم محمد (١). وَقَالَ غيره: هَذَا الْحَدِيث حسنٌ، ويُحتجّ بمثله؛ لأنه قد رواه عن العالية ثقتان ثبتان: أبو إسحاق زوجها، ويونس ابنها, ولم يُعلم فيها جرحٌ، والجهالة ترتفع عن الراوي بمثل ذلك، ثم إن هَذَا مما ضُبطت فيه القصّة، ومن دخل معها عَلَى عائشة، وَقَدْ صدّقها زوجها، وابنها، وهما منْ هما؟ فالحديث محفوظ.
وقوله فِي الْحَدِيث المتقدّم: "منْ باع بيعتين فِي بيعة، فله أوكسهما، أو الربا" هو منزل عَلَى العينة بعينها، قاله شيخنا يعني ابن تيميّة- لأنه بيعان فِي بيع واحد، فأوكسهما الثمن الحالّ، وإن أخذ بالأكثر، وهو المؤجّل أخذ بالربا، فالمعنيان لا ينفكّان منْ أحد الأمرين: إما الأخذ بأوكس الثمنين، أو الربا، وهذا لا يتنزّل إلا عَلَى العينة.
[أحدها]: أن الله تعالى حرّم الربا، والعينة وسيلة إلى الربا، بل هي منْ أقرب وسائله، والوسيلة إلى الحرام حرام، فهنا مقامان: أحدهما: بيان كونها وسيلة، والثاني: بيان أن الوسيلة إلى الحرام حرام.
(١) هكذا النسخة، والصواب أم محبّة، كما سيأتي قريبًا، فتنبّه.