مثل ذلك مخادعةً، كما تقدّم، وَقَالَ أيوب السختيانيّ: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر عَلَى وجهه كَانَ أسهل. والرجوع إلى الصحابة فِي معاني الألفاظ متعيّنٌ، سواء كانت لغويّة، أو شرعيّة، والخداع حرام.
وأيضًا، فإن هَذَا العقد يتضمّن إظهار صورة مباحة، وإضمار ما هو منْ أكبر الكبائر، فلا تنقلب الكبيرة مباحةً بإخراجها فِي صورة البيع الذي لم يُقصد نقل الملك فيه أصلاً، وإنما قصده حقيقة الربا.
وأيضًا فإن الطريق متى أفضت إلى الحرام، فإن الشريعة لا تأتي بإباحتها أصلاً؛ لأن إباحتها، وتحريم الغاية جمع بين النقيضين، فلا يُتصوّر أن يُباح شيء، ويحرم ما يُفضي إليه، بل لابدّ منْ تحريمهما، أو إباحتهما، والثاني باطلٌ قطعًا، فيتعيّن الأول.
وأيضًا، فإن الشارع إنما حرّم الربا، وجعله منْ الكبائر، وتوعّد آكله بمحاربة الله ورسوله؛ لما فيه منْ أعظم الفساد والضرر، فكيف يُتصوّر مع هَذَا أن يبيح هَذَا الفساد العظيم بأيسر شيء يكون منْ الحيل؟، فيا لله العجب، أترى هذه الحيلة أزالت تلك المفسدة العظيمة، وقلبتها مصلحة، بعد أن كانت مفسدة؟.
وأيضًا فإن الله سبحانه وتعالى عاقب أهل الجنة الذين أقسموا ليصرمنّها مصبحين، وكان مقصودهم منع حقّ الفقراء، منْ الثمر المتساقط وقت الحصاد، فلما قصدوا منع حقّهم منعهم الله الثمرة جملة.
ولا يقال: فالعقوبة إنما كانت عَلَى ردّ الاستثناء وحده؛ لوجهين. أحدهما: أن العقوبة منْ جنس العمل، وترك الاستثناء عقوبته أن يعوق وينسى، لا إهلاك ماله، بخلاف عقوبة ذنب الحرمان، فإنها حرمان كالذنب.
الثاني: أن الله تعالى أخبر عنهم أنهم قالوا: {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم: ٢٤]، وذنب العقوبة عَلَى ذلك، فلو لم يكن لهذا الوصف مدخل فِي العقوبة لم يكن لذكره فائدة، فإن لم يكن هو العلّة التامة كَانَ جزءًا منْ العلّة، وعلى التقديرين يحصل المقصود.
وأيضًا فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الأعمال بالنيات"، والمتوسّل بالوسيلة التي صورتها مباحة إلى المحرّم إنما نيّته المحرم، ونيته أولى به منْ ظاهر عمله.
وأيضًا فقد روى ابن بطّة وغيره بإسناد حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلّوا محارم الله بأدنى الحيل"، وإسناده مما يصححه الترمذيّ.
وأيضًا فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لعن الله اليهود حُرّمت عليهم الشحوم، فجملوها،