(عَنْ جَابِرٍ) -رضي الله عنه- (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ) جملة منْ مبتدإ وخبر، و"الشفعة": بضم الشين المعجمة، وسكون الفاء، وغلط منْ حرّكها: لغةً مأخوذة منْ الشَّفْع، وهو الزوج، وقيل: منْ الزيادة، وقيل: منْ الإعانة، وشرعًا: انتقال حصّة شريك إلى شريك، كانت انتقلت إلى أجنبيّ بمثل العوض المسمّى، ولم يختلف العلماء فِي مشروعيّتها، إلا ما نقل عن أبي بكر الأصمّ منْ إنكارها. قاله فِي "الفتح" ٥/ ١٩٢. وقوله: "فِي كلّ شرك" بكسر أوله، وسكون الراء: أي مشترَك، وقوله (رَبْعَةٍ) بالجرّ بدلٌ منْ "شرك"، و"الربعة": بفتح، فسكون: المسكن، والدار. وَقَالَ القرطبيّ: الربعة تأنيث الرَّبْع، وهو المنزل، وإنما قيل للمنزل: رَبْعٌ؛ لأن الإنسان يربع فيه: أي يقيم، يقال: هذه ربع، وهذه ربعة، كما يقال: دارٌ، ودارةٌ. انتهى "المفهم" ٤/ ٥٢٤.
(أَوْ حَائِطٍ) أي بستان النخل (لَا يَصْلُحُ) بضم اللام، وفتحها، منْ باب كرُم، ونفع، وفي الرواية الآتية فِي ١٠٨/ ٤٧٠٣ - : "لا يحلّ له أن يبيعه حَتَّى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك" (لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ) بضم حرف المضارعة، منْ الإيذان، وهو الإعلام: أي حَتَّى يُعلمه، قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: هو محمول عَلَى الإرشاد إلى الأولى، بدليل قوله: "فإن باع، ولم يؤذنه الخ"، ولو كَانَ ذلك عَلَى التحريم لذمّ البائع، ولفسخ البيع، لكنه أجازه، وصححه، ولم يذمّ الفاعل، فدلّ عَلَى ما قلناه، وَقَدْ قَالَ بعض شيوخنا: إن ذلك يجب عليه. انتهى "المفهم" ٤/ ٥٢٧.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قاله بعض المشايخ هو الحقّ، فيجب عليه أن يعلمه، ولا يستلزم ترك الواجب عَلَى بطلان البيع، كما مرّ تقريره فِي بيع المصرَّاة، وتلقّي الجلب، فلا تغفل. والله تعالى أعلم.
(شَرِيكَهُ) قَالَ القرطبيّ: هو عموم فِي المسلم، والذميّ، وهو قول مالك، والشافعيّ، وأبي حنيفة، وحكي عن الشعبيّ، والثوريّ: أنه لا شفعة للذميّ؛ لأنه صاغرٌ، وهو قول أحمد، والصواب الأول؛ للعموم، ولأنه حقّ جرى بسببه، فيترتّب عليه حكمه منْ استحقاق طلبه، وأخذه، كالدين، وأرش الجناية. انتهى.
(فَإِنْ بَاعَ) أي منْ غير أن يُعلمه (فَهُوَ) أي الشريك (أَحَقُّ بِهِ) يعني أن الشريك أحقّ بأخذ المبيع بالثمن الذي اشتراه به المشتري، منْ عين، أو عَرض، نقدًا، أو إلى أجل، وهو قول مالك، وأصحابه. وذهب أبو حنيفة، والشافعيّ: إلى أنه لا يشفع إلى الأجل، وأنه إن شاء شفع بالنقد، وإن شاء صبر إلى الأجل، فيشفع عنده. قاله فِي "المفهم" ٤/ ٥٢٨.