للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَ) خزيمة -رضي الله عنه- (بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أي بمعرفتي أنك صادق فِي كلّ ما تقول، أو بسبب أني صدّقتك فِي أنك رسول، ومعلومٌ منْ حال الرسول عدم الكذب فيما يُخبر، ولاسيّما فِي أمر الدنيا الحقيرة. وزاد ابن سعد: "أنا أصدّقك بخبر السماء، ولا أصدّقك بما تقول؟ "، وفي لفظ: "أعلم أنك لا تقول إلا حقّا، قد آمناك عَلَى أفضل منْ ذلك عَلَى ديننا".

(قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ، شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ) قَالَ السنديّ: أي فحكم بذلك، وشرع فِي حقّه، إما بوحي جديد، أو بتفويض مثل هذه الأمور إليه منه تعالى، والمشهور أنه ردّ الفرس بعد ذلك عَلَى الأعرابيّ، فمات منْ ليلته عنده. انتهى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: مات منْ ليلته، هَذَا يخالف ما تقدّم فِي كلام المنذريّ، وغيره منْ أنه قيل: إنه هو المرتجز الفرس المعروف فِي أفراس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. والله تعالى أعلم.

وَقَالَ الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى: قد حصل لذلك تأثير فِي مُهِمّ ديني، وقع بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-، وذلك فيما رَوَى ابن أبي شيبة فِي "المصاحف" عن الليث بن سعد، قَالَ: أول منْ جمع القرآن أبو بكر، وكتبه زيد بن ثابت، وكان النَّاس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية، إلا بشاهدي عدل، وإن آخر سورة براءة، لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فَقَالَ: اكتبوها، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعل شهادته بشهادة رجلين، فكَتَبَ، وإن عمر أَتَى بآية الرجم، فلم يكتبها؛ لأنه كَانَ وحده. انتهى.

وَقَالَ الخطّابيّ رحمه الله تعالى: هَذَا حديث يضعفه كثير منْ النَّاس غيرَ موضعه، وَقَدْ تَذَرَعّ به قوم منْ أهل البدع، إلى استحلال الشهادة، لمن عرف عنده بالصدق، عَلَى كل شيء ادعاه، وإنما وجه الْحَدِيث، ومعناه أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، إنما حكم عَلَى الأعرابيّ بعلمه، إذ كَانَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صادقًا بارا فِي قوله، وجرت شهادة خزيمة فِي ذلك، مجرى التوكيد لقوله، والاستظهار بها عَلَى خصمه، فصارت فِي التقدير شهادته له، وتصديقه إياه عَلَى قوله، كشهادة رجلين فِي سائر القضايا. انتهى.

قَالَ صاحب "العون": شهادة خزيمة، قد جعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشهادتين، دون غيره ممن هو أفضل منه، وهذا لِمُخَصِّص اقتضاه، وهو مبادرته، دون منْ حضره منْ الصحابة، إلى الشهادة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وَقَدْ قَبِل الخلفاء الراشدون شهادته وحده، وهي خاصة له. انتهى.

وَقَالَ العلّامة ابن القيّم رحمه الله تعالى: وَقَدْ احتجّ بحديث خزيمة منْ يرى أن للحاكم أن يحكم بعلمه، قَالَ: وجرت شهادة خزيمة فِي ذلك مجرى التوكيد،