للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧].

(ومنها): أن فيه منقبة عظيمة لخزيمة بن ثابت -رضي الله عنه-، حيث عدلت شهادته وحده بشهادة رجلين منْ المسلمين، وليس ذلك لأحد غيره منْ الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، فضلاً عن غيرهم منْ الأنام، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.

(ومنها): ما كَانَ عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ مزاولة أمور الدنيا بنفسه الشريفة، مع أن أصحابه يتسابقون فِي قضائها, ولكنه لا يريد ذلك، بل يتولاها بنفسه، تواضعًا، وتشريعًا لأمته -صلى الله عليه وسلم-.

(ومنها): تأدّب الصحابة -رضي الله عنهم- مع علمهم بأنه -صلى الله عليه وسلم- قد اشتراه حقّا، إلا أنهم ما أقدموا عَلَى الشهادة له؛ لما يعلمون منْ أن الشهادة يشترط فيها حضور الشاهد القضيّة التي يشهد بها، معاينة، لا علمًا، وهذا هو الأصل، إلا أن خزيمة -رضي الله عنه- أُلهم ما هو أفضل منْ ذلك، وهو أن تصديقه بما قَالَ -صلى الله عليه وسلم-، أشدّ ثبوتًا، وتحقّقًا مما يشاهده هو بنفسه، فكان الحقّ معه -رضي الله عنهم- جميعًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي وجوب الإشهاد عَلَى البيع:

قَالَ أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله تعالى فِي "تفسيره": ما حاصله: اختلف النَّاس هل الإشهاد عَلَى البيع عَلَى الوجوب، أو الندب، فَقَالَ أبو موسى الأشعري، وابن عمر، والضحاك، وسعيد بن المسيب، وجابر بن زيد، ومجاهد، وداود بن علي، وابنه أبو بكر: هو عَلَى الوجوب، ومن أشدهم فِي ذلك عطاء، قَالَ: أَشْهِد إذا بعت، وإذا اشتريت بدرهم، أو نصف درهم، أو ثلث درهم، أو أقل منْ ذلك، فإن الله عَزَّ وَجَلَّ، يقول: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}، وعن إبراهيم قَالَ: أَشهِد إذا بعت، واشتريت، ولو دَسْتَجَة (١) بَقْل، وممن كَانَ يذهب إلى هَذَا، ويرجحه الطبري، وَقَالَ: لا يحل لمسلم إذا باع، وإذا اشترى، إلا أن يُشهد، وإلا كَانَ مخالفا كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، وكذا إن كَانَ إلى أجل، فعليه أن يكتب، ويشهد إن وجد كاتبا. وذهب الشعبي، والحسن، إلى أن ذلك عَلَى الندب والإرشاد، لا عَلَى الحتم، ويحكى أن هَذَا قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وزعم ابن العربي: أن هَذَا قول الكافة، قَالَ: وهو الصحيح، ولم يُحكَ عن أحد، ممن قَالَ بالوجوب، إلا الضحاك، قَالَ: وَقَدْ باع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكتب، قَالَ: ونسخةُ كتابه: "بسم الله الرحمن الرحيم، هَذَا ما اشترى العَدّاء بن خالد بن هَوْذَة


(١) "الدستجة بفتح، فسكون، ففتح: الْحُزْمة معرّب جمعه الدَّسَاتيج. اهـ "القاموس".