منْ محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، اشترى منه عبدا، أو أمة، لا داء، ولا غائلة، ولا خِبْثة، بيع المسلم المسلمَ". وَقَدْ باع، ولم يُشهد، واشترى، ورَهَن درعه عند يهودي، ولم يُشهِد، ولو كَانَ الإشهاد أمرا واجبا، لوجب مع الرهن؛ لخوف المنازعة.
قَالَ القرطبيّ: قد ذكرنا الوجوب عن غير الضحاك، وحديثُ العَدّاء هَذَا، أخرجه الدارقطنيّ، وأبو داود، وكان إسلامه بعد الفتح وحنين، وهو القائل: قاتلنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، فلم يظهرنا الله، ولم ينصرنا، ثم أسلم، فحسن إسلامه، ذكره أبو عمر، وذكر حديثه هَذَا، وَقَالَ فِي آخره: قَالَ الأصمعي: سألت سعيد بن أبي عروبة، عن الغائلة؟ فَقَالَ: الإباق، والسرقة، والزنا، وسألته عن الخبثة؟ فَقَالَ: بيع أهل عهد المسلمين. وَقَالَ الإِمام أبو محمد بن عطية: والوجوب فِي ذلك قَلِقٌ، أما فِي الدقائق، فصعب شاقّ، وأما ما كثر، فربما يقصد التاجر الاستئلاف بترك الإشهاد، وَقَدْ يكون عادة فِي بعض البلاد، وَقَدْ يستحيي منْ العالم، والرجل الكبير الموقر، فلا يُشهد عليه، فيدخل ذلك كله فِي الائتمان، ويبقي الأمر بالإشهاد ندبا؛ لما فيه منْ المصلحة فِي الأغلب، ما لم يقع عذر، يمنع منه كما ذكرنا. وحكى المهدوي، والنحاس، ومكي، عن قوم: أنهم قالوا: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} الآية [البقرة: ٢٨٢] منسوخ بقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} الآية [البقرة: ٢٨٣]، وأسنده النحاس عن أبي سعيد الخدريّ، وأنه تلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}، إلى قوله:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}، قَالَ: نسخت هذه الآية ما قبلها، قَالَ النحاس: وهذا قول الحسن، والحكم، وعبد الرحمن بن زيد، قَالَ الطبري: وهذا لا معنى له؛ لأن هَذَا حكم غير الأول، وإنما هَذَا حكم منْ لم يجد كاتبا، قَالَ الله عز وجل:{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}: أي فلم يطالبه برهن، فليؤد الذي ائتمن أمانته، قَالَ: ولو جاز أن يكون هَذَا ناسخا للأول، لجاز أن يكون قوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} الآية ناسخا لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية، ولجاز أن يكون قوله عَزَّ وَجَلَّ:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} ناسخا لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}. وَقَالَ بعض العلماء: إن قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} لم يتبين تأخر نزوله عن صدر الآية، المشتملة عَلَى الأمر بالإشهاد، بل وردا معا, ولا يجوز أن يرد الناسخ والمنسوخ معا جميعا فِي حالة واحدة، قَالَ: وَقَدْ روي عن ابن عباس، أنه قَالَ، لما قيل له: إن آية الدين منسوخة قَالَ: لا والله، إن آية الدين محكمة، ليس فيها نسخ، قَالَ: والإشهاد إنما جعل للطمأنينة، وذلك أن الله تعالى