للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: ما حاصله: ذهب عطاء، والنخعي، والليث، وابن المنذر، إلى جواز بيع المكاتب، وهو قديم قولي الشافعيّ، قَالَ: لا وجه لقول منْ قَالَ: لا يجوز.

وحكى أبو الخطاب عن أحمد، رواية أخرى: أنه لا يجوز بيعه، وهو قول مالك، وأصحاب الرأي، والجديد منْ قولي الشافعيّ؛ لأنه عقد يَمنَع استحقاقَ كسبه، فَمَنَع بيعَه، كبيعه وعتقه.

وَقَالَ الزهريّ، وأبو الزناد: يجوز بيعه برضاه، ولا يجوز، إذا لم يرض. وحكي ذلك عن أبي يوسف؛ لأن بريرة، إنما بيعت برضاها وطلبها, ولأن لسيده استيفاء منافعه برضاه، ولا يجوز بغير رضاه، كذلك بيعه.

وحجة الأولين ما رَوَى عروة عن عائشة: أنها قالت: جاءت بريرة إلى، فقالت: يا عائشة إني كاتبت أهلي عَلَى تسع أواق، فِي كل عام أوقية، فأعينني، ولم تكن قضت منْ كتابتها شيئا، فقالت لها عائشة، ونَفِسَت (١) فيها: ارجعي إلى أهلك، إن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، فعرضت عليهم ذلك، فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون ولاؤك لنا، فذكرت ذلك عائشة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "لا يمنعك ذلك منها، ابتاعي، وأعتقي، إنما الولاء لمن أعتق"، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي النَّاس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قَالَ: "ما بال ناس، يشترطون شروطا ليست فِي كتاب الله، ومن اشترط شرطا ليس فِي كتاب الله، فهو باطل، وإن كَانَ مائة شرط، قضاء الله أحق, وشرطه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق"، مُتَّفقٌ عليه.

قَالَ ابن المنذر: بيعت بريرة بعلم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهي مكاتبة، ولم ينكر ذلك، ففي ذلك أبين البيان، أن بيعه جائز، ولا أعلم خبرا يعارضه، ولا أعلم فِي شيء منْ الأخبار دليلا عَلَى عجزها، وتأوله الشافعيّ عَلَى أنها كانت قد عجزت، وكان بيعها فسخا لكتابتها، وهذا التأويل بعيد، يحتاج إلى دليل، فِي غاية القوة، وليس فِي الخبر ما يدل عليه، بل قولها: "أعينيني عَلَى كتابتي" دليلٌ عَلَى بقائها عَلَى الكتابة، ولأنها أخبرتها أن نجومها فِي كل عام أوقية، فالعجز إنما يكون بمضي عامين، عند منْ لا يرى العجز إلا بحلول نجمين، أو بمضي عام عند الآخرين، والظاهر أن شراء عائشة لها كَانَ فِي أول كتابتها, ولا يصح قياسه عَلَى أم الولد؛ لأن سبب حريتها مستقر، عَلَى وجه لا يمكن


(١) "نفست" كرغِبت وزنًا ومعنًى.