للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فسخه بحال، فأشبه الوقف، والمكاتبُ يجوز رده إلى الرق، وفسخ كتابته إذا عجز فافترقا. قَالَ ابن أبي موسى: وهل للسيد أن يبيع المكاتب بأكثر مما عليه عَلَى روايتين، ولأن المكاتب عبد مملوك لسيده، لم يتحتم عتقه فجاز بيعه، كالمعلق عتقه بصفة.

والدليل عَلَى أنه مملوك، قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" (١)، وأن مولاته لا يلزمها أن تحتجب منه، بدليل قوله عليه السلام: "إذا كَانَ لإحداكن مكاتب، فملك ما يؤدي فلتحتجب منه" (٢)، فيدل عَلَى أنها لا تحتجب قبل ذلك، وَقَدْ روينا فِي هَذَا عن نبهان مولى أم سلمة، أنه قَالَ: قالت لي أم سلمة: يا نبهان هل عندك ما تؤدي؟ قلت: نعم، فأرخت الحجاب بيني وبينها، وروت هَذَا الْحَدِيث، قَالَ: فقلت: لا والله ما عندي ما أؤدي، ولا أنا بمؤدّ، وإنما سقط الحجاب عنها منه؛ لكونه مملوكها, ولأنه يصح عتقه، ولا يصح عتق منْ ليس بمملوك، ويرجع عند العجز إلى كونه قنّا, ولو صار حرّا ما عاد إلى الرق، ويفارق إعتاقه؛ لأنه يزيل الرق بالكلية، وليس بعقد، وإنما هو إسقاط للملك فيه، وأما بيعه فلا يمنع مالكه بيعه، وأما البائع فلم يبق له فيه ملك بخلاف مسألتنا. انتهى كلام الموفّق رحمه الله تعالى "المغني" ١٤/ ٥٣٥ - ٥٣٧.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح عندي قول منْ قَالَ بجواز بيع المكاتب بشرط رضاه بذلك، كما هو واقعة بريرة رضي الله تعالى عنها، وهو الذي رجحه الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه"، حيث قَالَ: "باب بيع المكاتب، إذا رضي". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والماب.

"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".


(١) حديث صحيحٌ، أخرجه أبو داود ٣٩٢٦، والبيهقيّ فِي "السنن الكبرى" ١٠/ ٣٢٧ وعبد الرزاق فِي "مصنّفه" ٨/ ٤٠٩.
(٢) حديث ضعيف، أخرجه أبو داود ٣٩٢٨ فِي سنده نبهان مولى أم سلمة رضي الله تعالى عنها مجهول. انظر "الإرواء" ٦/ ١٨٢ - ١٨٣.