للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المنع. (ومنها): وجوب بذل الماء مجّانًا، منْ غير طلب عوض، وبه قَالَ الجمهور، وحكى الخطابيّ عن قوم أنه تجب له القيمة مع وجوب ذلك، وهو مذهب ضعيف، والصواب الأول.

(منها): ما قاله وليّ الدين رحمه الله تعالى أن لوجوب بذل الماء شروطًا مأخوذة منْ الْحَدِيث: [أحدها]: أن يكون ذلك الماء فاضلاً عن حاجته، وهو صريح الْحَدِيث، فإن المنهيّ عنه منع الفضل، لا منع الأصل، ولذلك بوّب عليه البخاريّ فِي "صحيحه"، فَقَالَ: "منْ قَالَ: إن صاحب الماء أحقّ بالماء حَتَّى يَرْوَى؛ لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُمنع فضل الماء". [الثاني]: أن يكون البذل للماشية، وسائر البهائم، ولا يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره عَلَى الصحيح عند الشافعيّة، وبه قَالَ أبو حنيفة، وأصحابه، وسفيان الثوريّ. وعن أحمد روايتان، وَقَالَ مالك: يجب عليه بذله للزرع أيضًا، إذا خشي عليه الهلاك، ولم يضرّ ذلك بصاحب الماء، واختلف أصحابه فِي أنه يستحقّ عَلَى ذلك عوضًا، أم لا؟ وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "لا يمنع فضل الماء ليُمنَع به الكلأ" حجة للأولين، فإنه لا يلزم منْ منع سقي الزرع به منع الكلإ، وهو المعنى الذي عُلّل به الْحَدِيث، وإنما يلزم ذلك فِي منع البهائم، ويدلّ لمالك، ومن وافقه حديث جابر -رضي الله عنه- المذكور فِي هَذَا الباب، فإنه منع عن بيع فضل الماء، ولم يقيّده بمنع فضل الكلإ، لكنه عند غيره محمول عَلَى الْحَدِيث الآخر. [الثالث]: أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحًا، ويدلّ لهذا قوله فِي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "ليُمنع به الكلأ"، فإنه متى وجد ذلك لا يلزم منْ منع الماء منع الكلإ؛ للاستغناء عنه بذلك الماء المباح. [الرابع]: أن يكون هناك كلأ يُرعى، فلو خلت تلك الأرض عن الكلإ فله المنع؛ لانتفاء العلّة المعتبرة فِي الْحَدِيث. انتهى "طرح التثريب" ٦/ ١٨٠ - ١٨١.

(ومنها): أنه استدلّ ابن حبيب المالكيّ عَلَى أن البئر إذا تهايأ فيها مالكاها لهذا يوم، ولهذا يومٌ، فاستغنى صاحب النوبة عن الماء فِي ذلك اليوم، إما بعد أن سقى زرعه، أو لم يسق؛ لعدم احتياجه لذلك، فلشريكه أن يستقي فِي غير نوبته؛ لأن هَذَا ماء قد فضل عنه، وَقَدْ نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن منع فضل الماء. وخالفه فِي ذلك الأكثرون منْ المالكيّة وغيرهم، وقالوا: الأصل المنع منْ مال الغير بغير إذنه، إلا ما خرج بدليل، وهذه الصورة ليست الصورة التي ورد فيها الْحَدِيث المخصّص. انتهى "طرح" ٦/ ١٨٢.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الأكثرون هو الظاهر عندي؛ لظهور حجته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): أخرج الشيخان، والمصنّف فِي "الكبرى"، منْ طريق مالك، عن