أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"لا يُمنَعُ فضل الماء؛ لِيُمنَعَ به الكلأ"، ومن طريق ابن شهاب، عن ابن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"لا تمنعوا فضل الماء؛ لتمنعوا به فضل الكلاء".
قَالَ فِي "الفتح". قوله:"لا يمنع" بضم أوله، عَلَى البناء للمجهول، وبالرفع عَلَى أنه خبر، والمراد به مع ذلك النهي.
والمراد بالفضل، ما زاد عَلَى الحاجة، ولأحمد منْ طريق عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة:"لا يُمنَع فضلُ ماء، بعد أن يُستغنَى عنه"، وهو محمول عند الجمهور عَلَى ماء البئر المحفورة فِي الأرض المملوكة، وكذلك فِي الموات، إذا كَانَ بقصد التملك، والصحيح عند الشافعيّة، ونَصَّ عليه فِي القديم، وحرملة: أن الحافر يملك ماءها، وأما البئر المحفورة فِي الموات؛ لقصد الارتفاق، لا التملكِ، فإن الحافر لا يملك ماءها، بل يكون أحق به إلى أن يرتحل، وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يَفضُل عن حاجته، والمراد حاجة نفسه، وعياله، وزرعه، وماشيته، هَذَا هو الصحيح عند الشافعيّة.
وخص المالكية هَذَا الحكم بالموات، وقالوا فِي البئر التي فِي الملك: لا يجب عليه بذل فضلها، وأما الماء المحرز فِي الإناء، فلا يجب بذل فضله لغير المضطر عَلَى الصحيح.
وقوله: قوله: "فضل الماء": فيه جواز بيع الماء لأن المنهي عنه منع الفضل، لا منع الأصل، وفيه أن محل النهي ما إذا لم يجد المأمور بالبذل له ماء غيره، والمراد تمكين أصحاب الماشية منْ الماء، ولم يقل أحد: إنه يجب عَلَى صاحب الماء مباشرة سقي ماشية غيره، مع قدرة المالك.
وقوله:"ليمنع به الكلأ": بفتح الكاف واللام، بعدها همزة، مقصورًا: هو النبات، رطبه ويابسه، والمعنى: أن يكون حول البئر كلأ، ليس عنده ماء غيره، ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه، إلا إذا تمكنوا منْ سقي بهائمهم منْ تلك البئر؛ لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي، فيستلزم منعُهم منْ الماء، منعهم منْ الرعي، وإلى هَذَا التفسير ذهب الجمهور، وعلى هَذَا يختص البذل بمن له ماشية، ويلتحق به الرعاة، إذا احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا مُنعوا منْ الشرب، امتنعوا منْ الرعي هناك.
ويحتمل أن يقال: يمكنهم حمل الماء لأنفسهم؛ لقلة ما يحتاجون إليه منه، بخلاف البهائم، والصحيح الأول، ويلتحق بذلك الزرع عند مالك، والصحيح عند الشافعيّة، وبه قَالَ الحنفية: الاختصاص بالماشية، وفرق الشافعيّ فيما حكاه المزني عنه، بين المواشي، والزرع بأن الماشية ذات أرواح، يُخشى منْ عطشها موتها، بخلاف الزرع،