للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبهذا أجاب النوويّ وغيره.

واستُدلَّ لمالك بحديث جابر -رضي الله عنه- فِي الباب بلفظ: "نَهَى عن بيع فضل الماء"، لكنه مطلق، فيُحمل عَلَى المقيد فِي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وعلى هَذَا لو لم يكن هناك كلأ يُرعَى فلا مانع منْ المنع؛ لانتفاء العلة.

قَالَ الخطّابيّ: والنهي عند الجمهور للتنزيه، فيحتاج إلى دليل يوجب صرفه عن ظاهره، وظاهر الْحَدِيث أيضا وجوب بذله مجانا، وبه قَالَ الجمهور، وقيل: لصاحبه طلب القيمة منْ المحتاج إليه، كما فِي إطعام المضطر.

وتُعُقّب بأنه يلزم منه جواز المنع، حالة امتناع المحتاج منْ بذل القيمة، ورُدَّ بمنع الملازمة، فيجوز أن يقال: يجب عليه البذل، وتترتب له القيمة فِي ذمة المبذول له، حَتَّى يكون له أخذ القيمة منه متى أمكن ذلك، نعم فِي رواية لمسلم، منْ طريق هلال بن أبي ميمونة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: "لا يباع فضل الماء"، فلو وجب له العوض، لجاز له البيع. والله أعلم.

واستَدَلّ ابن حبيب منْ المالكية، عَلَى أن البئر، إذا كانت بين مالكين، فيها ماء، فاستغنى أحدهما فِي نوبته، كَانَ للآخر أن يسقى منها؛ لأنه ماء فضل عن حاجة صاحبه، وعموم الْحَدِيث يشهد له، وإن خالفه الجمهور.

واستدل به بعض المالكية، للقول بسد الذرائع؛ لأنه نَهَى عن منع الماء؛ لئلا يتذرع به إلى منع الكلأ، لكن ورد التصريح فِي بعض طرق حديث أبي هريرة بالنهي عن منع الكلإ، صححه ابن حبّان منْ رواية أبي سعيد مولى بني غفار، عن أبي هريرة، بلفظ: "لا تمنعوا فضل الماء، ولا تمنعوا الكلأ، فيُهْزَلَ المالُ، وتجوع العيال".

والمراد بالكلإ هنا النابت فِي الموات، فإن النَّاس فيه سواء.

وروى ابن ماجه، منْ طريق سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، مرفوعا: "ثلاثة لا يُمنَعنَ: الماء، والكلأ، والنار"، وإسناده صحيح، قَالَ الخطّابيّ: معناه: الكلأ ينبت فِي موات الأرض، والماء الذي يجري فِي المواضع التي لا تختص بأحد، قيل: والمراد بالنار الحجارة التي تُورى النارَ، وَقَالَ غيره: المراد النار حقيقة، والمعنى: لا يُمنَعُ منْ يستصبح منها مصباحا، أو يُدنِي منها ما يُشعله منها، وقيل: المراد ما إذا أَضرَم نارا فِي حطب مباح بالصحراء، فليس له منع منْ ينتفع بها، بخلاف ما إذا أضرم فِي حطب يملكه نارا، فله المنع. انتهى "فتح" ٥/ ٣٠٣ - ٣٠٥. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٤٦٦٣ - (أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَا: حَدَّثَنَا