عنهما (يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ) بكسر الضاد المعجمة، أي عن أخذ الكراء عَلَى ضِرابه، بل ينبغى لصاحب الفحل إعارته بلا كراء، فإن فِي المنع قطع النسل.
وَقَالَ ابن الأثير: ضراب الجمل: نَزْوه عَلَى الأنثى، والمراد بالنهي ما يؤخذ عليه منْ الأجرة، لا عن نفس الضِّراب، وتقديره: نهى عن ثمن ضراب الجمل، كنهيه عن عَسْبِ الفحل: أي عن ثمنه، يقال: ضَرَبَ الجملُ الناقةَ يَضرِبها: إذا نزا عليها، وأضرب فلانٌ ناقته: أي أنزى الفحل عليها. انتهى "النهاية" ٣/ ٧٩.
(وَعَنْ بَيْعِ الْمَاءِ) تقدّم البحث عنه مُسْتَوْفًى قبل خمسة أبواب (وَبَيْعِ الأَرْضِ لِلْحَرْثِ) أي كراء الأرض للزرع، وقوله (يَبِيعُ الرَّجُلُ أَرْضَهُ وَمَاءَهُ) تفسيرٌ لبيع الأرض، يعني أنه يؤاجر الأرض والماء لمن يزرعها، قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: معناه نهى عن إجارتها للزرع، قَالَ: والجمهور يجوّزن إجارتها بالدراهم، والثياب، ونحوها، ويتأوّلون النهي تأويلين:[أحدهما]: أنه نهي تنزيه؛ ليعتادوا إعارتها، وإرفاق بعضهم بعضًا. [والثاني]: أنه محمول عَلَى إجارتها عَلَى أن يكون لمالكها قطعة معيّنة منْ الزرع، وحمله القائلون بمنع المزارعة عَلَى إجارتها بجزءٍ مما يخرج منها. انتهى "شرح مسلم" ١٠/ ٤٧٣ - ٤٧٤.
وَقَدْ تقدّم تفصيل ما ذُكر كلّه فِي "كتاب المزارعة" مستوفًى، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق. وقوله (فَعَنْ ذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-) تأكيدٌ لما سبق منْ النهي. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الْحَدِيث أخرجه مسلم، وَقَدْ تقدّم تخريجه فِي باب "بيع الماء" قبل خمسة أبواب، وأتكلّم هنا عَلَى ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو حكم بيع ضراب الجمل، فأقول:
[مسألة]: فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم بيع ضراب الفحل:
قَالَ النوويّ فِي "شرح مسلم": اختلف العلماء فِي إجارة الفحل وغيره منْ الدواب؛ للضراب، فَقَالَ الشافعيّ، وأبو حنيفة، وأبو ثور، وآخرون: استئجاره لذلك باطل، وحرام، ولا يُستَحَقُّ فيه عِوَضٌ، ولو أنزاه المستأجر لا يلزمه المسمى منْ أجره، ولا أجرة مثل، ولا شيء منْ الأموال، قالوا: لأنه غرر مجهول، وغير مقدور عَلَى تسليمه.
وَقَالَ جماعة منْ الصحابة، والتابعين، ومالك، وآخرون: يجوز استئجاره لضرب مدة معلومة، أو لضربات معلومة؛ لأن الحاجة تدعو إليه، وهي منفعة مقصودة، وحملوا