للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النهى عَلَى التنزيه، والحثِّ عَلَى مكارم الأخلاق، كما حملوا عليه ما قرنه به منْ النهى عن إجارة الأرض. والله أعلم. انتهى "شرح مسلم" ١٠٤٧٤.

وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: ما حاصله: بيع ماء الفحل لا يُختلف فِي فساده إذا وقع بلفظ البيع، وأريد تحصيل العوض الذي هو حصول ماء الفحل فِي محلّ الرحم، وعَقُوق الأنثى (١) فإنه غررٌ، ومجهولٌ، وأما عَلَى معنى إجارة الفحل للطَّرْق أعوامًا معلومةً، أو إلى مدّة معلومة، فأجازه مالكٌ؛ لكمال شروط الإجارة، مع أن أخذ الأجرة عَلَى ذلك ليس منْ مكارم الأخلاق، ولا يفعله غالبًا إلا أولو الدناءة، ويكون هَذَا كله كالحجامة. وَقَدْ ذهب أبو حنيفة، والشافعيّ، وأبو ثور إلى منع ذلك جملةً، والأرجح إن شاء الله تعالى ما صار إليه مالك؛ لما ذكرناه، وبأنه قول جماعة منْ الصحابة، والتابعين عَلَى ما حكاه القاضي عياض. انتهى "المفهم" ٤/ ٤٤٢ - ٤٤٣.

وَقَالَ الموفّق رحمه الله تعالى فِي "المغني": إجارة الفحل للضراب حرام، وبه قَالَ أبو حنيفة، والشافعي، وحُكي عن مالك جوازه. قَالَ ابن عقيل: ويحتمل عندي الجواز؛ لأنه عقد عَلَى منافع الفحل ونزوه، وهذه منفعة مقصودة، والماء تابع، والغالب حصوله عقيب نزوه، فيكون كالعقد عَلَى الظئر؛ ليحصل اللبن فِي بطن الصبي.

وحجة الأولين ما رَوَى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع عسب الفحل"، رواه البخاريّ، وعن جابر -رضي الله عنه- قَالَ: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع ضراب الجمل"، رواه مسلم، ولأنه مما لا يُقدر عَلَى تسليمه، فأشبه إجارة الآبق، ولأن ذلك متعلق باختيار الفحل وشهوته، ولأن المقصود هو الماء، وهو مما لا يجوز إفراده بالعقد، وهو مجهول، وإجارة الظئر خولف فيه الأصل؛ لمصلحة بقاء الآدمي، فلا يقاس عليه ما ليس مثله، فعلى هَذَا إذا أعطى أجرة لعسب الفحل، فهو حرام عَلَى الآخذ؛ لما ذكرناه، ولا يحرم عَلَى المعطى؛ لأنه بذل ماله لتحصيل مباح، يحتاج إليه، ولا يمتنع هَذَا كما فِي كسب الحجام، فإنه خبيث، وَقَدْ أعطى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الذي حجمه، وكذلك أجرة الكسح (٢)، والصحابة أباحوا شراء المصاحف، وكرهوا بيعها، وإن أَعطى صاحب الفحل هدية، أو أكرمه منْ غير إجارة جاز، وبه قَالَ الشافعيّ؛ لما روى أنس -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "إذا كَانَ إكراما فلا بأس" (٣)، ولأنه سبب مباح، فجاز


(١) فِي "اللسان": العَقُوق منْ البهائم أي بفتح فضم: الحامل. اهـ.
(٢) "الكسح": هو الكنس.
(٣) حديث صحيح أخرجه المصنّف، والترمذيّ، وسيأتي قريبًا، إن شاء الله تعالى.