مسلم. وهو فِي عرف الشرع: عبارة عن مِدْيان، قصر ما بيده عن وفاء ما عليه منْ الديون، فطلب الغرماء أخذ ما بيده، وإذا كَانَ كذلك، فللحاكم أن يَحجُر عليه، ويمنعه منْ التصرّف فيما بيده، ويُحصِّلُهُ، ويجمع الغرماء، فيقسمه عليهم، وهذا مذهب الجمهور، منْ الصحابة، وغيرهم. انتهى "المفهم" ٤/ ٤٣٠ - ٤٣١.
وَقَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: المفلس هو الذي لا مال له، ولا ما يدفع به حاجته، ولهذا لما قَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه:"أتدرون منْ المفلس؟ " قالوا: يا رسول الله، المفلس فينا منْ لا دراهم له، ولا متاع، قَالَ:"ليس ذلك المفلس، ولكن المفلس منْ يأتي يوم القيامة بحسنات، أمثال الجبال، ويأتي وَقَدْ ظلم هَذَا, ولطم هَذَا، وأخذ منْ عرض هَذَا، فيأخذ هَذَا منْ حسناته، وهذا منْ حسناته، فإن بقي عليه شيء أخذ منْ سيئاتهم، فرد عليه، ثم صُكّ له صَكّ إلى النار"، أخرجه مسلم بمعناه، فقولهم ذلك إخبار عن حقيقة المفلس، وقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ليس ذلك المفلس"، تجوز لم يرد به نفي الحقيقة، بل أراد أن فلس الآخرة أشد وأعظم، بحيث يصير مفلس الدنيا، بالنسبة إليه كالغني، ونحو هَذَا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الشديد بالصُّرَعَةِ، ولكن الشديد الذي يغلب نفسه عند الغضب"، متّفقٌ عليه، وقوله:"ليس السابق منْ سبق بعيره، وإنما السابق منْ غُفر له"(١)، وقوله:"ليس الغنى عن كثرة الغرض، إنما الغنى غنى النفس"، متّفقٌ عليه، ومنه قول الشاعر [منْ الخفيف]:
وإنما سمي هَذَا مفلسا؛ لأنه لا مال له إلا الفلوس، وهي أدنى أنواع المال، والمفلس فِي عرف الفقهاء: منْ دينه أكثر منْ ماله، وخَرْجُهُ أكثر منْ دَخْلِه، وسَمَّوه مُفلسا، وإن كَانَ ذا مال؛ لأن ماله مُسْتَحَقُّ الصرف فِي جهة دينه، فكأنه معدوم، وَقَدْ دل عليه تفسير النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، مفلس الآخرة، فإنه أخبر أن له حسنات، أمثال الجبال، لكنها كانت دون ما عليه، فقُسمت بين الغرماء، وبقي لا شيء له، ويجوز أن يكون سمي بذلك لما يؤول إليه، منْ عدم ماله بعد وفاء دينه، ويجوز أن يكون سمي بذلك؛ لأنه يمنع منْ التصرف فِي ماله، إلا الشيء التافه، الذي لا يعيش إلا به، كالفلوس ونحوها. انتهى "المغني" ٦/ ٥٣٦ - ٥٣٧. وسيأتي بيان مذهب العلماء فِي المسائل قريبًا إن شاء الله تعالى.
[تنبيه]: ترجم الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه" بقوله: "باب إذا وجد