للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ألفاظ، نذكرها بعدُ إن شاء الله تعالى- ومذهب مالك أولى؛ لأن حديثه أصحّ منْ حديث الشافعيّ؛ لأن أبا المعتمر مجهولٌ عَلَى ما ذكره أبو داود، وللفرق بين الْفَلَس والموت، وذلك أن ذمّة المفلس باقيةٌ، غير أنها انعابت (١)، ويُمكن أن يزول ذلك العيب بالإيسار، فيجد الغرماء الذين لم يأخذوا منْ السلعة شيئًا، ما يرجعون عليه، وليس كذلك فِي الموت، فإن ذمّة الميت قد انعدمت، فلا يرتجعون شيئًا، فافترقا. والله تعالى أعلم.

وَقَدْ تعسّف بعض الحنفيّة فِي تأويل أحاديث الإفلاس تأويلات، لا تقوم عَلَى أساس، ولا تتمشّى عَلَى لغة، ولا قياس، فلنُضرِبْ عن ذكرها؛ لوضوح فسادها. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى "المفهم" ٤/ ٤٣٢ - ٤٣٣.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي حقّقه القرطبيّ رحمه الله تعالى حسنٌ جدًّا، وحاصله أن الحقّ هو ما ذهب إليه مالك، والشافعيّ رحمهما الله تعالى منْ أن مشتري السلعة إذا أفلس، ووُجدت السلعة بعينها، فالبائع أحقّ بها منْ سائر الغرماء؛ لصحّة حديث الباب، وأما ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله منْ كونه أسوة للغرماء، فمجرّد قياس، فِي مقابلة النصّ، فيكون باطلاً، ثم إن ما ذهب إليه مالك منْ الفرق بين الإفلاس، والموت، فيكون فِي الإفلاس أحقّ منْ سائر الغرماء، وفي الموت أسوة لهم هو الأرجح؛ وذلك للفرق الذي ذكر فِي الْحَدِيث الذي احتجّ به مالك، وهو حديث متّصلٌ صحيح، وأما الْحَدِيث الذي تمسّك به الشافعيّ فِي التسوية بين الإفلاس والموت، فلم يصحّ، كما تقدّم. والله تعالى أعلم.

وَقَالَ فِي "الفتح": وحمله بعض الحنفية، عَلَى ما إذا أفلس المشتري، قبل أن يقبض السلعة. وتُعُقّب بقوله فِي حديث الباب: "عند رجل"، ولابن حبّان منْ طريق سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد: "ثم أفلس، وهي عنده"، وللبيهقي منْ طريق ابن شهاب، عن يحيى: "إذا أفلس الرجل، وعنده متاع"، فلو كَانَ لم يقبضه ما نَصَّ فِي الخبر عَلَى أنه عنده، واعتذارهم بكونه خبر واحد فيه نظر، فإنه مشهور منْ غير هَذَا الوجه، أخرجه ابن حبّان منْ حديث ابن عمر، وإسناده صحيح، وأخرجه أحمد، وأبو داود منْ حديث سمرة، وإسناده حسن، وقضى به عثمان، وعمر بن عبد العزيز، كما مضى، وبدون هَذَا يخرج الخبر عن كونه فردا غريبا.

قَالَ ابن المنذر: لا نعرف لعثمان -رضي الله عنه- فِي هَذَا مخالفا منْ الصحابة. وتُعُقّب بما


(١) أي حصل لها عيب.