للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَذَّبه غريمه فلا يخلو: إما أن يكون عُرف له مال، أو لم يُعرف، فإن عرف له مال، لكون الدين ثبت عن معاوضة، كالقرض، والبيع، أو عُرف له أصل مال سوى هَذَا، فالقول قول غريمه مع يمينه، فإذا حلف أنه ذو مال حبس، حَتَّى تشهد البينة بإعساره.

قَالَ ابن المنذر: أكثر منْ نحفظ عنه منْ علماء الأمصار، وقضاتهم، يرون الحبس فِي الدين، منهم: مالك، والشافعي، وأبو عبيد، والنعمان، وسَوّار، وعبيد الله بن الحسن، وروي عن شريح، والشعبي، وكان عمر بن عبد العزيز، يقول: يُقسَم ماله بين الغرماء، ولا يحبس، وبه قَالَ عبد الله بن جعفر، والليث بن سعد.

وحجة الأولين: أن الظاهر قول الغريم، فكان القول قولَهُ كسائر الدعاوى. انتهى "المغني" ٦/ ٥٨٥ - ٥٨٦.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الأولون هو الأرجح؛ لوضوح أدلّته، كما مرّ بيانه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي ملازمة الدائن لمدينه المعسر:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: متى ثبت إعساره عند الحاكم، لم يكن لأحد مطالبته، وملازمته، وبهذا قَالَ الشافعيّ، وَقَالَ أبو حنيفة: لغرمائه ملازمته، منْ غير أن يمنعوه منْ الكسب، فإذا رجع إلى بيته، فأذن لهم فِي الدخول دخلوا معه، وإلا منعوه منْ الدخول؛ لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لصاحب الحق اليد واللسان" (١).

قَالَ: ولنا إن منْ ليس لصاحب الحق مطالبته، لم يكن له ملازمته، كما لو كَانَ دينه مؤجلاً، وقول الله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} الآية [البقرة: ٢٨٠]، ومن وجب إنظاره حرمت ملازمته، كمن دينه مؤجل، والحديث فيه مقال، قاله ابن المنذر.

ثم عَلَى تقدير صحته نحمله عَلَى الموسر، بدليل ما ذكرنا، فقد ثبت أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ لغرماء الذي أصيب فِي ثمار ابتاعها، فكثر دينه: "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك"، رواه مسلم، وغيره.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: القول الأول هو الأرجح عندي؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَدِيث المذكور: "وليس لكم إلا ذلك". والله تعالى أعلم.

قَالَ: وإن فُكّ الحجر عنه لم يكن لأحد مطالبته، ولا ملازمته حَتَّى يملك مالا، فإن جاء الغرماء عَقِبَ فك الحجر عنه، فادّعوا أن له مالا، لم يُلتفت إلى قولهم حَتَّى يُثبتوا سببه، فإن جاؤوا بعد مدة، فادعوا أن فِي يده مالاً، أو ادعوا ذلك عَقِبَ فك الحجر،


(١) أخرجه الدارقطنيّ فِي "سننه" ٤/ ٢٣٢.