للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الروايتين فِي صحة إقراره وتصرفاته، بإذن وليه، ولا يصح هَذَا الجمع؛ لأن هَذَا التزام مال، لا فائدة له فيه، فلم يصح منه كالتبرع، والنذر، بخلاف البيع.

قَالَ: ولا يصح ضمان العبد بغير إذن سيده، سواء كَانَ مأذونا له فِي التجارة، أو غير مأذون له، وبهذا قَالَ ابن أبي ليلى، والثوري، وأبو حنيفة، ويحتمل أن يصح، ويتبع به بعد العتق، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعيّ؛ لأنه منْ أهل التصرف فصح تصرفه بما لا ضرر عَلَى السيد فيه كالإقرار بالإتلاف، ووجه الأول أنه عقد تضمن إيجاب مال، فلم يصح بغير إذن، كالنكاح وَقَالَ أبو ثور: إن كَانَ منْ جهة التجارة جاز، وإن كَانَ منْ غير ذلك لم يجز، فإن ضمن بإذن سيده صح؛ لأن سيده لو أذن له فِي التصرف صح. انتهى "المغني" باختصار ٧/ ٧٩ - ٨٠. وهو بحث نفيس جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم هل يبرأ المكفول عنه بنفس الكفالة أم لا؟:

ذهب الثوريّ، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي إلى أن المكفول عنه لا يبرأ بنفس الضمان، كما يبرأ المحيل بنفس الحوالة قبل القبض، بل يثبت الحق فِي ذمة الضامن، مع بقائه فِي ذمة المضمون عنه، فلصاحب الحق مطالبة منْ شاء منهما فِي الحياة، وبعد الموت.

وذهب أبو ثور إلى أن الكفالة، والحوالة سواء، وكلاهما ينقل الحق عن ذمة المضمون عنه والمحيل، وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وداود، واحتجوا بما رَوَى أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- قَالَ: كنا مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي جنازة، فلما وُضعت، قَالَ: "هل عَلَى صاحبكم منْ دين؟ " قالوا: نعم درهمان، فَقَالَ: "صلوا عَلَى صاحبكم"، فَقَالَ علي -رضي الله عنه-: هما علي يا رسول الله، وأنا لهما ضامن، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصلى عليه، ثم أقبل عَلَى علي، فَقَالَ: "جزاك الله خيرا عن الإِسلام، وفَكَّ رهانك، كما فككت رهان أخيك"، فقيل: يا رسول الله هَذَا لعلي خاصة، أم للناس عامة؟ فَقَالَ: "للناس عامة" (١)، رواه الدارقطنيّ فِي "سننه" ٣/ ٤٧.

فدلّ عَلَى أن المضمون عنه برىء بالضمان، ورَوَى الإِمام أحمد فِي "المسند" عن جابر -رضي الله عنه- قَالَ: توفي صاحب لنا، فأتينا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ليصلي عليه، فخطا خطوة، ثم قَالَ؛ "أعليه دين؟ " قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فَقَالَ: الديناران


(١) رواه الدارقطنيّ فِي "سننه" ٣/ ٤٧، وفي إسناده عطاء بن عجلان البصريّ، متروك، والراوي عنه إسماعيل بن عيّاش، وهو إذا روى عن غير أهل بلده ضعيف الْحَدِيث، وهذا منه، فتنبّه.