للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

علي، فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وجب حق الغريم، وبرىء الميت منهما؟ " قَالَ: نعم، فصلى عليه، ثم قَالَ بعد ذلك: "ما فعل الديناران؟، قَالَ: إنما مات أمس، قَالَ: فعاد إليه منْ الغد، فَقَالَ: قد قضيتهما، فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الآن بردت جلدته" (١)، وهذا صريح فِي براءة المضمون عنه؛ لقوله: "وبرىء الميت منهما"، ولأنه دين واحد، فإذا صار فِي ذمة ثانية برئت الأولى منه، كالمحال به، وذلك لأن الدين الواحد لا يحل فِي محلين.

ولنا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "نفس المؤمن معلقة بدينه، حَتَّى يُقضَى عنه وقوله فِي خبر أبي قتادة: "الآن بَرَّدتَّ جلدته"، حين أخبره أنه قضى دينه، ولأنهما وثيقة فلا تنقل الحق كالشهادة، وأما صلاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى المضمون عنه، فلأنه بالضمان صار له وفاء، وإنما كَانَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، يمتنع منْ الصلاة عَلَى مدين، لم يَخلُف وفاء، وأما قوله لعلي -رضي الله عنه-: "فَك الله رهانك، كما فككت رهان أخيك"، فإنه كَانَ بحال لا يصلي عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فلما ضمنه فكه منْ ذلك، أو مما فِي معناه، وقوله: "برىء الميت منهما" صرت أنت المطالب بهما، وهذا عَلَى سبيل التأكيد؛ لثبوت الحق فِي ذمته، ووجوب الأداء عليه، بدليل قوله فِي سياق الْحَدِيث حين أخبره بالقضاء: "الآن بردت عليه جلدته"، ويفارق الضمان الحوالة، فإن الضمان مشتق منْ الضم، فيقضي الضم بين الذمتين، فِي تعلق الحق بهما، وثبوته فيهما، والحوالة منْ التحول، فتقتضي تحول الحق منْ محله إلى ذمة المحال عليه، وقولهم: إن الدين الواحد لا يَحُل فِي محلين، قلنا: يجوز تعلقه بمحلين عَلَى سبيل الاستيثاق، كتعلق دين الرهن به، وبذمة الراهن. انتهى "المغني" ٧/ ٨٤ - ٨٦.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الأولون منْ أن المكفول عنه لا يبرأ بالكفالة، وأن لصحاب الحق مطالبة أيهما شاء هو الصواب؛ لما ذُكر منْ الأدلّة، وأما ما استدلّ به الآخرون منْ الحديثين فلا حجة فيه؛ لأنهما ضعيفان، فإن الأول فِي إسناده عطاء بن عجلان البصريّ، وهو متروك، والراوي عنه إسماعيل بن عيّاش، وهو إذا روى عن غير أهل بلده ضعيف الْحَدِيث، وهذا منه. والثاني فِي سنده عبد الله بن محمد بن عقيل مختلف فيه، وفي "التقريب": صدوق، فِي حديثه لين، ويقال: تغيّر بآخره. انتهى.

والحاصل أن المذهب الأول هو الحقّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) رواه أحمد فِي "مسنده" ٣/ ٣٣٠ وفي سنده عبد الله بن محمد بن عقيل مختلف فيه، وفي "التقريب": صدوق، فِي حديثه لين، ويقال: تغيّر بآخره. انتهى.