وَقَالَ الشوكانيّ: قوله: "لا يحل له أن يبيع الخ: ظاهره أنه يجب عَلَى الشريك، إذا أراد البيع أن يؤذن شريكه، وَقَدْ حكى مثل ذلك القرطبيّ عن بعض مشايخه، وَقَالَ فِي "شرح الإرشاد": الْحَدِيث يقتضي أنه يحرم البيع قبل العرض عَلَى الشريك، قَالَ ابن الرفعة: ولم أظفر به عن أحد منْ أصحابنا, ولا محيد عنه، وَقَدْ قَالَ الشافعيّ: إذا صح الْحَدِيث، فاضربوا بقولي عرض الحائط، وَقَالَ الزركشي: إنه صرح به الفارقي، وَقَالَ الأذرعي: إنه الذي يقتضيه نص الشافعيّ، وحمله الجمهور منْ الشافعيّة وغيرهم عَلَى الندب، وكراهة ترك الإعلام، قالوا: لأنه يصدق عَلَى المكروه أنه ليس بحلال، وهذا إنما يتم إذا كَانَ اسم الحلال مختصا بما كَانَ مباحا، أو مندوبا، أو واجبا، وهو ممنوع، فإن المكروه منْ أقسام الحلال، كما تقرر فِي الأصول. انتهى "نيل الأوطار" ٥/ ٣٥٧ - ٣٥٨.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الوجوب هو الحقّ؛ لأن لفظ: "لا يحلّ" ظاهر فِي التحريم، ولا ينافي ذلك عدم فساد البيع؛ إذ لا يستلزم، كما سبق فِي النهي عن النجش، وبيع المصرّاة، وتلقّي الجلب، فكلها محرّمة، ولم يفسد البيع، بل خُيّر المشتري فيه. والله تعالى أعلم. (فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) يعني أن الشريك إن شاء أخذ المبيع بما أعطى المشتري منْ الثمن؛ لأنه أحق به بعد البيع، وإن شاء ترك (وَإِنْ بَاعَ) أي باع مالكُ ما ذُكر منْ الربعة، وغيره (وَلَمْ يُؤْذِنْهُ) أي لم يُعلم شريكه بالبيع (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) أي فالشريك أولى بالمبيع منْ المشتري، يأخذه بالثمن الذي اشتراه به، منْ عين، أو عَرَض، نقدًا، أو إلى أجل، وهو قول مالك، وأصحابه، وذهب أبو حنيفة، والشافعيّ إلى أنه لا يشفع إلى الأجل، بل إنه إن شاء شفع بالنقد، وإن شاء صبر إلى الأجل، فيشفه عنده. قاله فِي "المفهم" ٤/ ٥٢٨.
وَقَالَ الشوكانيّ: فيه دليل عَلَى ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يؤذنه شريكه بالبيع، وأما إذا أعلمه الشريك بالبيع، فأذن فيه فباع، ثم أراد الشريك أن يأخذه بالشفعة، فَقَالَ مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، والهادوية، وابن أبي ليلى، والْبَتِّي، وجمهور أهل العلم: إن له أن يأخذه بالشفعة، ولا يكون مجرد الإذن، مبطلا لها، وَقَالَ الثوري، والحكم، وأبو عبيد، وطائفة منْ أهل الْحَدِيث: ليس له أن يأخذه بالشفعة، بعد وقوع الإذن منه بالبيع، وعن أحمد روايتان، كالمذهبين. ودليل الآخِرِين مفهوم الشرط، فإنه يقتضي عدم ثبوت الشفعة مع الإيذان منْ البائع، ودليل الأولين الأحاديث الواردة فِي شفعة الشريك والجار، منْ غير تقييد، وهي منطوقات، لا يقاومها ذلك المفهوم.