قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الأولون منْ أنه لا شفعة فِي المُنتَقِلِ بغير عوض هو الأظهر عندي. والله تعالى أعلم.
فأما المنتقل بعوض، فينقسم قسمين:[أحدهما]: ما عِوَضه المال، كالبيع، فهذا فيه الشفعة بغير خلاف، وهو فِي حديث جابر -رضي الله عنه-: "فإن باع، ولم يؤذنه، فهو أحقّ به"، وكذلك كلّ عقد جرى مجرى البيع، كالصلح بمعنى البيع، والصلح عن الجنايات الموجبة للمال، والهبة المشروط فيها ثوابٌ معلومٌ؛ لأن ذلك بيع ثبتت فيه أحكام البيع، وهذا منها، وبه يقول مالكٌ، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، إلا أن أبا حنيفة، وأصحابه قالوا: لا تثبت الشفعة فِي الهبة المشروط فيها ثوابٌ، حَتَّى يتقابضا؛ لأن الهبة لا تثبتُ إلا بالقبض، فأشبهت البيع بشرط الخيار.
وحجة الأولين أنه يملكها بعوض، هو مالٌ، فلم يفتقر إلى القبض فِي استحقاق الشفعة، كالبيع، ولا يصحّ ما قالوه منْ اعتبار لفظ الهبة؛ لأن العوض صَرَفَ اللفظ عن مقتضاه، وجعله عبارةً عن البيع، خاصّةً عندهم، فإنه ينعقد بها النكاح الذي لا تصحّ الهبة فيه بالاتفاق.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن المذهب الأول هو الأرجح؛ لظهور متمسّكه. والله تعالى أعلم بالصواب.
[القسم الثاني]: ما انتقل بعوض، غير المال، نحو أن يَجعل الشَّقص مهرًا، أو عِوَضًا فِي الخلع، أو فِي الصلح عن دم العمد، فقيل: لا شفعة فيه، وبه قَالَ الحسن، والشعبيّ، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، حكاه عنهم ابن المنذر، واختاره؛ لأنه مملوك بغير مال، فأشبه الموهوب، والموروث. وقيل: تجب فيه الشفعة، وبه قَالَ ابن شُبْرُمة، والحارث العكليّ، ومالك، وابن أبي ليلى، والشافعيّ، واحتجوا بأنه مملوك بعقد معاوضة، فأشبه البيع (١).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول الأول هو الأظهر؛ لظهور مُتَمَسَّكِهِ أيضًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.