مرتبتهم، وأنهم حازوا فضيلة الآخرية كما حاز - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فضيلة الأولية، وهم الغرباء المشار إليهم بقوله "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء" وهم الخلفاء الذين أفادهم بقوله "رحم الله خلفائي"(١)، وهم القابضون على دينهم عند الفتن المشار إليهم بقوله:"القابض على دينه كالقابض على الجمر" وهم المؤمنون بالغيب إلى غير ذلك مما لا يعسر على الفطن استخراجه من الأحاديث.
وأُوردَ كيف يتمنى رؤيتهم، وهو حي، وهم حينئذ في علم الله تعالى، لا وجود لهم في الخارج، والمعدوم لا يرى، وأيضا هو من تمني ما لا يكون؛ لأن عمره لا يمتد حتى يرى آخرهم؟ وأجيب بأن الرؤية بمعنى العلم، وهو يتعلق بالمعدوم، أو رؤية تمثيل بمعنى أن يمثلوا له كما مثلت له الجنة في عُرض الحائط، أو أن هذا من رؤية الكون كما زويت له الأرض حتى رأى مشارقها ومغاربها كرامة من الله له.
وأورد على أن المراد بعد الموت أنه يلزم منه تمني الموت، وقد قال:"لا يتمنين أحدكم الموت"، وأجيب بمنع الملزومية، وإن سلمت فالمنع لما قال "لضر نزل به".
قال الأُبيّ: وهذا كله على أنه تمن حقيقي، وقد لا يكون حقيقة، وإنما هو تشريف لقدر أولئك الإخوان. اهـ ما قاله الزرقاني باختصار وتغيير يسير. ج ١ ص ٦٣ - ٦٤.
(وأنا فرطهم) بفتحتين أي فرط أولئك الإخوان، أي متقدمهم (على الحوض) أي إليه. قال العلامة ابن منظور: والفارط والفَرَط، بالتحريك: المتقدم إلى الماء، يتقدم الواردة، فيهيء لهم الأرْسَان، والدِّلاء، ويملأ الحياض، ويستقي لهم، وهو فَعَل بمعنى فاعل، مثل تَبَع بمعنى تابع، ورجل فَرَط وقوم فَرَط ورجل فارط وقوم فُرَّاط اهـ باختصار لسان ج ٧ ص ٣٦٦.