[أحدها]: الاختلاف عَلَى يحيى بن سعيد الأنصاريّ، فقد اتفق كلٌّ منْ الليث بن سعد، وحمّاد بن زيد، وبشر بن المفضّل، وعبد الوهّاب الثقفيّ، وسفيان بن عيينة، عَلَى أنه موصولٌ، عن يحيى، عن بُشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة، وخالفهم فِي ذلك مالك بن أنس، فرواه عن يحيى، عن بُشير بن يسار، أنه أخبره أن عبد الله بن سهل الأنصاريّ، فجعله مرسلاً، وَقَدْ سبق فِي الباب الماضي أن رواه مالك عن أبي ليلى الأنصاريّ، موصولاً، فترجّح هذه الرواية؛ لموافقتها لروايات الجماعة.
[الثاني]: أن سعيد بن عُبيد خالف رواية يحيى، وأبي ليلى، فذكر فِي روايته طلب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ أولياء القتيل البيّنة، وترك طلبه -صلى الله عليه وسلم- منهم أن يحلفوا خمسين، فيستحقّوا دم صاحبهم.
[الثالث]: أنه وقع فِي رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، وذلك أنه جعل القتيل ابن محيّصة الأصغر، وفي روايات الجماعة أنه عبد الله بن سهل، وهو ابن عمّ محيّصة، لا ابنه، وأيضًا ذكره أنه -صلى الله عليه وسلم- قسم ديته عَلَى اليهود، وأعانهم بنصفها، والمحفوظ أنه -صلى الله عليه وسلم- دفع الدية منْ عنده كاملة.
لكن ذكر فِي "الفتح" ما يدل عَلَى الجمع بين هذه الروايات، فَقَالَ: ما حاصله: لم يُذكر فِي رواية سعيد بن عُبيد عرض الأيمان عَلَى المدّعين، كما لم يقع فِي رواية يحيى ابن سعيد طلب البيّنة أوّلاً.
وطريق الجمع أن يقال: حفظ أحدهم ما لم يحفظه الآخر، فيُحمل عَلَى أنه -صلى الله عليه وسلم- طلب البيّنة أوّلاً، فلم تكن لهم بيّنة، فعرض عليهم الأيمان، فامتنعوا، فعرض عليهم تحليف المدّعَى عليهم، فأبوا.
وأما قول بعضهم: إن ذكر البينة وَهَمٌ؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم-، قد عَلِمَ أن خيبر حينئذ، لم يكن بها أحد منْ المسلمين، فدعوى نفي العلم مردودة، فإنه وإن سُلِّم أنه لم يسكن مع اليهود فيها أحد منْ المسلمين، لكن فِي نفس القصة، أن جماعة منْ المسلمين خرجوا يمتارون تمرا، فيجوز أن تكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك، وإن لم يكن فِي نفس الأمر كذلك، وَقَدْ وجدنا لطلب البينة، فِي هذه القصة شاهدا منْ وجه آخر، أخرجه النسائيّ ٤/ ٤٧٢٢ - منْ طريق عبيد الله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده: أن ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلا عَلَى أبواب خيبر، فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقم شاهدين عَلَى منْ قتله، أدفعه إليك برمته"، قَالَ: يا رسول الله، إني أُصيب شاهدين؟، وإنما أصبح قتيلا عَلَى أبوابهم، قَالَ:"فتحلف خمسين قسامة"، قَالَ: فكيف أحلف عَلَى ما لا أعلم؟، قَالَ:"تستحلف خمسين منهم"، قَالَ: "كيف وهم يهود؟. قَالَ