للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العروض وغيرها، وأن ذلك ليس مخصوصًا بالإبل، ولا بالعين. قاله فِي "المفهم".

وقوله: "فَقَالَ: دونك صاحبك": أي خذه، فاصنع به ما شئت، هَذَا إنما حكم به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لَمّا تحقّق السبب، وتعذّر عليه الإصلاح، وبعد أن عرض عَلَى الوليّ العفو، فأبى، كما قاله ابن أشوع، وبعد أن علم أنه لا مُستحقّ للدم إلا ذلك الطالب خاصّةً، ولو كَانَ هناك مستحقّ آخر لتعيّن استعلام ما عنده منْ القصاص، أو العفو.

وفيه ما يدلّ عَلَى أن القاتل إذا تحقّق عليه السبب، وارتفعت الموانع لا يقتله الإِمام، بل يدفعه للوليّ يفعل به ما يشاء، منْ قتل، أو عفو، أو حبس، إلى أن يرى رأيه فيه، ولا يسترقّه بوجه؛ لأن الحرّ لا يُملَك، قَالَ القرطبيّ: ولا خلاف فيه فيما أعلمه. انتهى "المفهم" ٥/ ٥٤.

وقوله: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن قتله فهو مثله": قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: ظاهره إن قتله كَانَ عليه منْ الإثم مثل ما عَلَى القاتل الأول، وَقَدْ صرّح بهذا فِي الرواية الأخرى التي قَالَ فيها: "القاتل والمقتول فِي النار"، وهذا فيه إشكالٌ عظيم، فإن القاتل الأول قتل عمدًا، والثاني قصاصًا, ولذلك لَمّا سمع الوليّ ذلك، قَالَ: يا رسول الله قلت: ذلك، وَقَدْ أخذته بأمرك؟، فاختلف العلماء فِي تأويل هَذَا عَلَى أقوال:

[الأول]: قَالَ الإِمام أبو عبد الله المازريّ: أمثل ما قيل فيه: أنهما استويا بانتفاء التباعة عن القاتل بالقصاص.

قَالَ القرطبيّ: وهذا كلام غير واضح، ويعني به -والله أعلم- أن القاتل إذا قُتل قصاصًا، لم يبق عليه تبعة منْ القتل، والمقتصّ لا تبعة عليه؛ لأنه استوفى حقّه، فاستوى الجاني والوليّ المقتصّ فِي أن كلّ واحد منهما لا تبعة عليه.

[الثاني]: قَالَ القاضي عياض: معنى قوله: "فهو مثله": أي قاتلٌ مثله، وإن اختلفا فِي الجواز والمنع، لكنهما اشتركا فِي طاعة الغضب، وشفاء النفس، لاسيّما مع رغبة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي العفو، عَلَى ما جاء فِي الْحَدِيث.

قَالَ القرطبيّ: والعجيب منْ هذين الإمامين، كيف قنعا بهذين الخَيالين، ولم يتأمّلا مَساق الْحَدِيث، وكأنهما لم يسمعا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حين انطلق به يجرّه ليقتله: "القاتل والمقتول فِي النار"، وهذه الرواية مفسّرة لقوله فِي الرواية المتقدّمة: "إن قتله فهو مثله"؛ لأنها ذُكرت بدلًا منها، فعلى مقتضى قوله: "فهو مثله": أي هو فِي النار مثله، ومن هنا عظُم الإشكال، ولا يُلتفت لقول منْ قَالَ: إن ذلك إنما قاله -صلى الله عليه وسلم- للوليّ لما علم منه منْ معصية يَستحقّ بها دخول النار؛ لأن المعصية المقدّرة إما أن يكون لها مدخلٌ فِي هذه القصّة، أو لا مدخل لها فيها، فإن كَانَ الأولُ، فينبغي لنا أن نبحث عنها حَتَّى