أُوحِيَ إليه، ويدل عَلَى ذلك رواية البخاريّ فِي "الجهاد": "هل عندكم شيء منْ الوحي، إلا ما فِي كتاب الله"، وله فِي "الديات": "هل عندكم شيء مما ليس فِي القرآن، وفي "مسند إسحاق بن راهويه" عن جرير، عن مطرف: "هل علمتَ شيئا منْ الوحي؟، وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك؛ لأن جماعة منْ الشيعة، كانوا يزعمون أن عند أهل البيت، لاسيما عليا -رضي الله عنه-، أشياء منْ الوحي، خصهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بها, لم يُطلِع غيرهم عليها، وَقَدْ سأل عليا -رضي الله عنه- عن هذه المسألة أيضا قَيسَ بن عُبَاد، وهو بضم المهملة وتخفيف الموحدة، والأشتر النخعي، وحديثهما فِي "سنن النسائيّ".
وقوله:"إلا كتاب الله": هو بالرفع، وَقَالَ ابن المنير: فيه دليل عَلَى أنه كَانَ عنده أشياء مكتوبة، منْ الفقه المستنبط، منْ كتاب الله، وهي المراد بقوله:"أو فهم أعطيه رجل"؛ لأنه ذكره بالرفع، فلو كَانَ الاستثناء منْ غير الجنس، لكان منصوبا. قَالَ الحافظ: كذا قَالَ، والظاهر أن الاستثناء فيه منقطع، والمراد بذكر الفهم إثبات إمكان الزيادة، عَلَى ما فِي الكتاب، وَقَدْ رواه البخاريّ فِي "الديات" بلفظ: "ما عندنا إلا ما فِي القرآن، إلا فهما يُعْطَى رجلٌ فِي الكتاب"، فالاستثناء الأول مفرغ، والثاني منقطع، معناه: لكن إن أَعطَى الله رجلاً فهمًا فِي كتابه، فهو يقدر عَلَى الاستنباط، فتحصل عنده الزيادة بذلك الاعتبار. وَقَدْ روى أحمد بإسناد حسن، منْ طريق طارق بن شهاب، قَالَ: شهدت عليا -رضي الله عنه- عَلَى المنبر، وهو يقول: والله ما عندنا كتاب نقرأه عليكم، إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة"، وهو يزيد ما قلناه أنه لم يرد بالفهم شيئا مكتوبا. انتهى ما فِي "الفتح" ١/ ٢٧٦ - ٢٧٧.
(عَبْدًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ) "عبدًا" مفعول أول لـ"يُعطي"، و"فهمًا" مفعوله الثاني، و"فِي "كتابه" متعلّقٌ بـ"فهمًا"(أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ) أي الورقة المكتوبة، وفي رواية الأشتر التالية لهذه الرواية:"ما عهد إليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء دون النَّاس، إلا فِي صحيفة فِي قراب سيفي، فلم يزالوا به، حَتَّى أخرج الصحيفة، فإذا فيها: المؤمنون تكافأ دماؤهم" الْحَدِيث (قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟، قَالَ: فِيهَا الْعَقْلُ) أي الدية، وإنما سُمِّيت به؛ لأنهم كانوا يُعطون فيها الإبل، ويَربِطونها بفناء دار المقتول بالعِقَال، وهو الحبل، ووقع فِي رواية ابن ماجه بدل العقل:"الديات"، والمراد أحكامها، ومقاديرها، وأصنافها.
(وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ) -بكسر الفاء، وفتحها، وَقَالَ الفراء: الفتح أفصح، والمعنى: أن فيها حكم تخليص الأسير منْ يد العدو، والترغيب فِي ذلك.
(وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بكَافِرٍ) وهذا هو محلّ الترجمة، فقد نصّ عَلَى أنه لا يشرع قتل مسلم بسبب قتله كافرًا مطلقًا، وهذا هو الذي عليه الجمهور، وهو الحقّ، كما سيأتي