ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يجب القصاص عَلَى مسلم بقتل كافر، أَيَّ كافر كَانَ، رُوي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، ومعاوية رضي الله عنهم، وبه قَالَ عمر بن عبد العزيز، وعطاء، والحسن، وعكرمة، والزهري، وابن شبرمة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر. وَقَالَ النخعي، والشعبي، وأصحاب الرأي: يقتل المسلم بالذمي خاصة، قَالَ الإِمام أحمد: الشعبي، والنخعي، قالا: دية المجوسي، واليهودي، والنصراني، مثل دية المسلم، وإن قتله يُقتَل به، هَذَا عَجَبٌ، يصير المجوسي مثل المسلم، سبحان الله، ما هَذَا القول، واستبشعه، وَقَالَ: النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول:"لا يقتل مسلم بكافر"، وهو يقول: يقتل بكافر، فأي شيء أشدُّ منْ هَذَا؟.
وحجة هؤلاء عمومات النصوص، كقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية [البقرة: ١٧٨]، وقوله:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية [المائدة: ٤٥]، وقوله:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} الآية [البقرة: ١٧٩]، وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ قُتل له قتيل، فهو بخير النظرين، إما أن يُنل، وإما أن يُفدى" الْحَدِيث، متّفقٌ عليه. واحتجّوا أيضًا بما رَوَى ابن البيلماني: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أقاد مسلما بذمي، وَقَالَ:"أنا حق منْ وفي بذمته"، ولأنه معصوم عصمة مؤبدة، فيقتل به قاتله كالمسلم.
واحتجّ الأولون بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يقتل مؤمن بكافر"، رواه الإِمام أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، وفي لفظ:"لا يقتل مسلم بكافر"، رواه البخاريّ، وأبو داود. ولأنه منقوص بالكفر، فلا يقتل به المسلم، كالمستأمن, وأما العمومات التي احتجّوا بها، فهي مخصوصات بهذا الْحَدِيث، وأما حديث البيلماني، فليس له إسناد، قاله أحمد، وَقَالَ الدارقطنيّ: يرويه ابن البيلماني، وهو ضعيف إذا أسند، فكيف إذا أرسل؟.
وأما المستأمن, فوافق أبو حنيفة الجماعة، فِي أن المسلم لا يقاد به، وهو المشهور عن أبي يوسف، وعنه يقتل به؛ لما سبق فِي الذمي. والصحيح الأول؛ لما ذكرنا. أفاده فِي "المغني" ١١/ ٤٦٥ - ٤٦٧.
وَقَالَ فِي "الفتح" ١٤/ ٢٥٩ - : وأما ترك قتل المسلم بالكافر، فأخذ به الجمهور، إلا أنه يلزم منْ قول مالك فِي قاطع الطريق، ومن فِي معناه: إذا قتل غيلة أن يقتل، ولو كَانَ المقتول ذميا، استثناء هذه الصورة، منْ منع قتل المسلم بالكافر، وهي لا تستثني فِي الحقيقة, لأن فيه معنى آخر، وهو الفساد فِي الأرض. وخالف الحنفية، فقالوا: يقتل المسلم بالذمي، إذا قتله بغير استحقاق، ولا يقتل بالمستأمن. وعن الشعبي، والنخعي: يُقتل باليهودي والنصراني، دون المجوسي، واحتجوا بما وقع عند أبي داود، منْ طريق