الحسن، عن قيس بن عُبَاد، عن علي -رضي الله عنه-، بلفظ:"لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد فِي عهده"، وأخرجه أيضا منْ رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وأخرجه ابن ماجه، منْ حديث ابن عباس، والبيهقي عن عائشة، ومعقل بن يسار، وطرقه كلها ضعيفة، إلا طريق الأولى، والثانية، فإن سند كل منهما حسن، وعلى تقدير قبوله، فقالوا: وجه الاستدلال منه، أن تقديره: ولا يقتل ذو عهد فِي عهده بكافر، قالوا: وهو منْ عطف الخاص عَلَى العام، فيقتضى تخصيصه؛ لان الكافر الذي يُقتل به ذو العهد هو الحربي، دون المساوي له، والأعلى، فلا يبقى منْ يُقتل بالمعاهد إلا الحربي، فيجب أن يكون الكافر الذي لا يُقتل به المسلم هو الحربي، تسويةً بين المعطوف والمعطوف عليه. قَالَ الطحاوي: ولو كانت فيه دلالة عَلَى نفي قتل المسلم بالذمي، لكان وجه الكلام أن يقول: ولا ذي عهد فِي عهده، وإلا لكان لحنا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يلحن، فلما لم يكن كذلك، علمنا أن ذا العهد، هو المَعْنِيُّ بالقصاص، فصار التقدير: لا يقتل مؤمن، ولا ذو عهد فِي عهده بكافر، قَالَ: ومثله فِي القرآن: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} الآية [الطلاق: ٤]، فإن التقدير: واللائى يئسن منْ المحيض، واللائى لم يحضن.
وتُعُقِّب بأن الأصل عدم التقدير، والكلام مستقيم بغيره، إذا جعلنا الجملة مستأنفةً، ويؤيده اقتصار الْحَدِيث الصحيح، عَلَى الجملة الأولى، ولو سُلِّم أنها للعطف، فالمشاركة فِي أصل النفي، لا منْ كل وجه، وهو كقول القائل: مررت بزيد منطلقا، وعمرو، فإنه لا يوجب أن يكون بعمرو منطلقا أيضا، بل المشاركة فِي أصل المرور.
وَقَالَ الطحاوي أيضا: لا يصح حمله عَلَى الجملة المستأنفة؛ لأن سياق الْحَدِيث، فيما يتعلق بالدماء التي يسقط بعضها ببعض؛ لأن فِي بعض طرقه:"المسلمون تتكافأ دماؤهم".
وتُعُقّب بأن هَذَا الحصر مردود، فإن فِي الْحَدِيث أحكامًا كثيرة غير هذه.
وَقَدْ أبدى الشافعيّ له مناسبة، فَقَالَ: يشبه أن يكون، لما أعلمهم أن لا قود بينهم وبين الكفار، أعلمهم أن دماء أهل الذمة والعهد، محرمة عليهم بغير حق، فَقَالَ:"لا يقتل مسلم بكافر، ولا يقتل ذو عهد فِي عهده"، ومعنى الْحَدِيث: لا يقتل مسلم بكافر قصاصا, ولا يقتل منْ له عهد ما دام عهده باقيا.
وَقَالَ ابن السمعاني: وأما حملهم الْحَدِيث عَلَى المستأمن, فلا يصح؛ لأن العبرة بعموم اللفظ، حَتَّى يقوم دليل عَلَى التخصيص، ومن حيث المعنى أن الحكم الذي يبنى فِي الشرع عَلَى الإِسلام والكفر، إنما هو لشرف الإِسلام، أو لنقص الكفر، أو لهما