بكافر"، خطب به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح، كما فِي رواية عمرو بن شعيب، وقصة عمرو بن أمية متقدمة عَلَى ذلك بزمان.
قَالَ الحافظ: ومن هنا يتجه صحة التأويل الذي تقدم عن الشافعيّ، فان خطبة يوم الفتح، كانت بسبب القتيل الذي قتلته خزاعة، وكان له عهد، فخطب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "لو قتلت مؤمنا بكافر، لقتلته به"، وَقَالَ: "لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد فِي عهد"، فأشار بحكم الأول، إلى ترك اقتصاصه منْ الخزاعي، بالمعاهد الذي قتله، وبالحكم الثاني إلى النهي عن الإقدام عَلَى ما فعله القاتل المذكور. والله أعلم.
ومن حججهم: قطع المسلم بسرقته مال الذمي، قالوا: والنفس أعظم حرمة. وأجاب ابن بطال: بأنه قياس حسن، لولا النص. وأجاب غيره: بأن القطع حق لله، ومن ثم لو أعيدت السرقة بعينها, لم يسقط الحد ولو عفا، والقتل بخلاف ذلك، وأيضا القصاص يشعر بالمساواة، ولا مساواة للكافر والمسلم، والقطع لا تُشتَرط فيه المساواة. انتهى "الفتح" ١٤/ ٢٥٩ - ٢٦٠.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما ذُكر أن قول الجمهور بعدم ثبوت القصاص بقتل المسلم الكافر مطلقًا هو الحقُّ؛ لقوة أدلّته، كما مرّ توضيحه آنفًا، ومما يؤيده كما قَالَ الشوكانيّ- قوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}[النِّساء: ١٤١]، ولو كَانَ للكافر أن يقتص منْ المسلم، لكان فِي ذلك أعظم سبيل، وَقَدْ نفى الله تعالى أن يكون له عليه السبيل نفيا مؤكدًا، وقوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}[الحشر: ٢٠]، ووجهه أن الفعل الواقع فِي سياق النفي، يتضمن النكرة فهو فِي قوة: لا استواء، فيعم كل أمر منْ الأمور إلا ما خص.
ويؤيد ذلك أيضا قصة اليهودي، الذي لطمه المسلم، لَمّا قَالَ: لا، والذي اصطفى موسى عَلَى البشر، فلطمه المسلم، فإن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، لم يثبت له الاقتصاص، كما فِي "الصحيح"، وهو حجة عَلَى الكوفيين؛ لأنهم يثبتون القصاص باللطمة، ومن ذلك حديث: "الإِسلام يعلو، ولا يُعلَى عليه"، وهو وإن كَانَ فيه مقال، لكنه قد علقه البخاريّ فِي "صحيحه". انظر "نيل الأوطار" ٧/ ١٤.
والحاصل أن مذهب الجمهور هو الحقّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.