وقوله سبعين عاما" وفي حديث عبد الله بن عمرو الآتي بعده: "وإن ريحها ليوجد منْ مسيرة أربعين عامًا". وكذا هو فِي "صحيح البخاريّ"، قَالَ فِي "الفتح": كذا وقع للجميع، وخالفهم عمرو بن عبد الغفار، عن الحسن بن عمرو، عند الإسماعيلي، فَقَالَ: "سبعين عاما"، ومثله فِي حديث أبي هريرة، عند الترمذيّ، منْ طريق محمد بن عجلان، عن أبيه، عنه، ولفظه: "وإن ريحها ليوجد منْ مسيرة سبعين خريفا"، ومثله فِي رواية صفوان بن سليم، المشار إليها، ونحوه لأحمد، منْ طريق هلال بن يساف، عن رجل، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "سيكون قوم لهم عهد، فمن قَتَل منهم رجلا، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد منْ مسيرة سبعين عاما"، وعند الطبراني فِي "الأوسط"، منْ طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، بلفظ: "منْ مسيرة مائة عام"، وفي الطبراني عن أبي بكرة: "خمسمائة عام"، ووقع فِي "الموطإ" فِي حديث آخر: "إن ريحها يوجد منْ مسيرة خمسمائة عام"، وأخرجه الطبراني فِي "المعجم الصغير" منْ حديث أبي هريرة، وفي حديث لجابر ذكره صاحب "الفردوس": "إن ريح الجنة يُدرك منْ مسيرة ألف عام".
قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: وهذا اختلاف شديد، وَقَدْ تكلم ابن بطال عَلَى ذلك، فَقَالَ: الأربعون هي الأشَدُّ، فمن بلغها زاد عمله ويقينه وندمه، فكأنه وجد ريح الجنة التي تبعثه عَلَى الطاعة، قَالَ: والسبعون آخر المعترك، ويَعرِض عندها الندم، وخشية هجوم الأجل، فتزداد الطاعة، بتوفيق الله، فيجد ريحها منْ المدة المذكورة، وذكر فِي الخمسمائة كلاما متكلفا، حاصله أنها مدة الفترة التي بين كل نبي ونبي، فمن جاء فِي آخرها، وآمن بالنبيين، يكون أفضل منْ غيره، فيجد ريح الجنة.
وَقَالَ الكرماني: يحتمل أن لا يكون العدد بخصوصه مقصودا، بل المقصود المبالغة، فِي التكثير، ولهذا خص الأربعين، والسبعين؛ لأن الأربعين يشتمل عَلَى جميع أنواع العدد؛ لأن فيه الأحاد، وأحاده عشرة، والمائة عشرات، والألف مئات، والسبع عدد فوق العدد الكامل، وهو ستة، إذ أجزاؤه بقدره، وهي النصف، والثلث، والسدس، بغير زيادة ولا نقصان، وأما الخمسمائة فهي ما بين السماء والأرض.
قَالَ الحافظ: والذي يظهر لي فِي الجمع، أن يقال: إن الأربعين أقل زمن يُدرِك به ريحَ الجنة مَنْ فِي الموقف، والسبعين فوق ذلك، أو ذكرت للمبالغة، والخمسمائة، ثم الألف أكثر منْ ذلك، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص، والأعمال، فمن أدركه منْ المسافة البعدى، أفضل ممن أدركه منْ المسافة القربى، وبين ذلك، وَقَدْ أشار إلى ذلك شيخنا -يعني الحافظ العراقيّ- فِي "شرح الترمذيّ"، فَقَالَ: الجمع بين هذه الروايات،