يُبرد، ومنهم منْ حمل الكسر فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَى القلع، وهو بعيد منْ هَذَا السياق. قاله فِي "الفتح" ١٤/ ٢١٤. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي أقوال أهل العلم فِي القصاص بالسنّ:
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: أجمع أهل العلم عَلَى القصاص فِي السن؛ للآية، وحديث الرُّبَيِّع، ولأن القصاص فيها ممكن؛ لأنها محدودة فِي نفسها، فوجب فيها القصاص، كالعين، وتؤخذ الصحيحة بالصحيحة, وتؤخذ المكسورة بالصحيحة؛ لأنه يأخذ بعض حقه، وهل يأخذ مع القصاص أرش الباقي فيه وجهان.
قَالَ: ولا يُقتَصّ إلا منْ سنّ منْ أَثْغَر: أي سقطت رَوَاضعه، ثم نبتت، يقال لمن سقطت رواضعه: ثُغِرَ، فهو مثغور، فإذا نبتت قيل: أَثْغَر، واثَّغَرَ، لغتان، وإن قُلِع سن منْ لم يُثغِر، لم يُقتَصَّ منْ الجاني فِي الحال، وهذا قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي؛ لأنها تعود بحكم العادة، فلا يقتص منها، كالشعر، ثم إن عاد بدل السن فِي محلها مثلها، عَلَى صفتها، فلا شيء عَلَى الجاني، كما لو قلع شعرة، ثم نبتت، وإن عادت مائلة عن محلها، أو متغيرة عن صفتها، كَانَ عليه حكومة؛ لأنها لو لم تَعُد ضمن السن, فإذا عادت ناقصة، ضمن ما نقص منها بالحساب، ففي ثلثها ثلث ديتها، وفي ربعها ربعها، وعلى هَذَا، وإن عادت والدم يسيل، ففيها حكومة؛ لأنه نقصٌ حصل بفعله، وإن مضى زمن عودها, ولم تعد سئل أهل العلم بالطب، فإن قالوا: قد يُئِس منْ عودها، فالمجني عليه بالخيار بين القصاص أو دية السن, فإن مات المجني عليه قبل الإياس منْ عودها، فلا قصاص؛ لأن الاستحقاق له غير متحقق، فيكون ذلك شبهة فِي درئه، وتجب الدية؛ لأن القلع موجود، والعود مشكوك فيه. ويحتمل أنه إذا مات قبل مجيء وقت عودها، أن لا يجب شيء؛ لأن العادة عودها، فأشبه ما لو حلق شعره، فمات قبل نباته.
فأما إن قلع سن منْ قد أثغر وجب القصاص له فِي الحال؛ لأن الظاهر عدم عودها، وهذا قول بعض أصحاب الشافعيّ، وَقَالَ القاضي: يسأل أهل الخبرة، فإن قالوا: لا تعود فله القصاص فِي الحال، وإن قالوا يُرجى عودها إلى وقت ذكروه، لم يقتص حَتَّى يأتي ذلك الوقت، وهذا قول بعض أصحاب الشافعيّ؛ لأنها تحتمل العود، فأشبهت سن منْ لم يُثغر. انتهى "المغني" ١١/ ٥٥٢ - ٥٥٤.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبين بما سبق أن وجوب القصاص فِي السنّ مجمع عليه بين أهل العلم؛ للآية المذكورة، وحديث الباب. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.